النجاح ليس ثروةً
غالباً ما يقصد الناس بعبارة أن فلاناً ناجح في حياته، أنه قد حقق ثروة مالية وأملاكاً خرافية من مهنته، مهما كانت هذه المهنة، سواء كانت في مجال الطب أو الهندسة، أو في مهنة حرة أو حرفة يدوية، أو إداري في مؤسسة ما، طبعاً إن كان فاسداً ومرتشياً!
فثمة منشور يتم تداوله بكثرة على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، يفيد بـ «قصة مهاجر أوروبي فقير، ذهب إلى أمريكا وهو يحلم أن يكون طبيباً إلاّ أن الفقر منعه من الالتحاق بكلية الطب لعجزه عن سداد المصاريف الدراسية، وفي قمة إحباطه وحزنه، جاءته فرصة غريبة، ليفتتح مطعماً صغيراً قرر أن يخصصه للوجبات السريعة، وبعد سنوات تحول هذا المطعم إلى واحد من أكبر مطاعم الوجبات السريعة في العالم, وأصبح لديه أكثر من 40 ألف فرع حول العالم فتحوّل هذا المهاجر الفقير إلى واحد من أثرى أثرياء العالم، بالتأكيد لم يكن ليحقق كل هذه الثروة لو أصبح طبيباً». ويزعم ناشر هذا الكلام أنها قصة فلان صاحب مؤسس سلسلة مطاعم(…..) العالمية الشهيرة، فكما تلاحظون التركيز على الثروة لا على العلم! فمن أدراه لمن كتب المنشور، لو أن الرجل صاحب هذه السلسلة الشهيرة من المطاعم قد تمكن من دراسة الطب من أنه قد يحقق إنجازاً باهراً في مجال تخصصه يسجل له وينقذ به حياة الناس من مرض ما، وقد يستحق عليه جائزة نوبل للطب، وسيصبح لامعاً وناجحاً لكن بمعنى أكثر فائدة، ولا نُستثنى نحن في مجتمعاتنا العربية من المفهوم المادي للنجاح حتى في مجالات العلم والفن والإبداع عموماً، فغالباً أيضاً ما نقول عن فلان كان ناجحاً في مجال التمثيل لكنه عاش فقيراً ومات فقيراً، وكذلك لو كان طبيباً أو مخرجاً مسرحياً أو فناناً تشكيلياً، أو مطربة، ومن الزاوية ذاتها نقيّم كل الذين هاجروا ويهاجرون، فالتقييم دائماً يأخذ منحىً مادياً وليس معنوياً، وليس ثمة ثقافة تكرس مفهوم العلم بعيداً عن الفائدة المادية، فيمكن للطالب أو الطالبة دراسة أحد فروع الهندسة أو الكيمياء أو الفيزياء، وليس بالضرورة الطب المرتبط بأذهانهم بالعائد المادي، فبتطوير الجوانب العلمية، ثمة دول تحكم العالم وليس بالمردود المادي، لكننا ومع الأسف نروّج لثقافة المردود المادي ونهين العلم ونزداد تخلفاً.!