قولوا لي كيف؟

أستغرب أشد الاستغراب من أولئك الذين يخرجون كل يوم بفرضية جديدة، وكأنه لا شاغل لهم إلا النَّبش في المصطلحات، ومحاولة استيعاب ظواهر تبدو بحسب آرائهم مُحقَّقة، ولا مجال للاقتراب منها، أو مناكفتها على الأقل. ومن مثل تلك الفرضيات ما تنطَّعَ به «رونان ماكدونالد» القائلة بـ«موت النَّاقد»، والتي تعد استكمالاً لـ«موت المؤلف» الذي تحدَّث عنه «رولان بارت»، لكن كيف لنا الامتثال لمثل تلك الفرضية «الماكدونالدية» ومحاولة مقاربتها لواقعنا، مع إننا من جماعة تكوينها الأساسي مرتبط بالنَّقد على اختلاف أشكاله وأنواعه ومستوياته، وليس صعباً تَلمُّس ذلك، إذ جرِّب مثلاً أن تسأل أياً كان عن رأيه بنظافة الشارع، فسيُقدِّم لك تصوراً عميقاً عن علاقة الإنسان بوطنه، ومدى انتمائه إليه، وعن التناقض الحاصل في التربية بين جدران البيت، وحدود الشارع، كما سيُعيد لك أهمية الربط بين الأخلاقيات المنزلية وما يتشربه المرء في المدرسة الابتدائية ثم الثانوية فالجامعة، ولن يكتفي بذلك بل سيرسم لك خريطة طريق مع برنامج زمني دقيق للخروج من عنق الزجاجة المتمثل بعدم اهتمام البعض بنظافة الشارع.
والأمر ذاته إن طلبت رأياً في صندوق النقد الدولي والمحلي، وفي منظمة الصحة العالمية وبياناتها، وفي فيلم «صحاب ولا أعز»، أو احتفالية «الرابسودي السوري»، أو فعالية تخريج الدفعة السادسة من دبلوم العلوم السينمائية،…
ولن يختلف الموضوع إن كان السؤال عن وجهة نظره بالتطورات الحاصلة في السياسة الخارجية، وما علاقة جلوس الرئيس ماكرون على بعد 3 كيلو مترات من نظيره الروسي على الطاولة البيضوية في اتخاذ مثل ذاك القرار؟.
ومستوى النقد لن يتأثر إن كان الموضوع حول إقالة رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين أو عن كيفية زيادة إدرار حليب البقر، ولا حتى إن دار الحديث عن أفضل طريقة لضبط سعر البندورة الكرزية، أو تحقيق استقرار سوق الدخان العربي.
والأمر ذاته في حال تعلق الأمر بجمركة الموبايلات، وسرعة الإنترنت، والحمايات الترددية، وضغط المياه في الشبكة، وتربية العصافير، وأصول «البديكير» و«المانيكير»، و«الفيلير» و«البوتوكس» وابتسامات هوليوود، وحرق المسافات، والفيزياء الكوانتية، وتقنية النانو، وغير ذلك الكثير، فكيف سنقتنع بموت الناقد، ولدينا نُقَّاد أكثر من الهمّ على القلب؟ قولوا لي كيف؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار