فشل الاحتلال أمام إرادة الأفارقة (على هامش تأجيل النقاش في عضوية المحتل في الاتحاد الإفريقي)

يبدو أن الاتحاد الإفريقي بدأ يخرج من وضعية الوصاية، ليقترب من الموقف الدولي بخصوص قضايا كثيرة، وقد بدا هذا النضج واضحاً في تفادي عديد المشكلات التي عانى منها منذ سنوات، حيث ظهر أكثر انقياداً لآليات تنظيمية محكمة، بدل التحكمات الشخصية في قراراته.
وبدا في اجتماع يوم الأحد أنه تفادى ما من شأنه عرقلة وإضعاف مهام الاتحاد، وعلى رأسها تعليق النقاش حول مقترح اعتماد عضوية كيان الاحتلال الإسرائيلي كعضو مراقب في الاتحاد، بناء على طلب سابق من سفير الكيان في إثيوبيا، واغتناماً لرئاسة مفوضية الاتحاد في شخص الإثيوبي موسى فقي محمد، وهو قرار أقل ما يقال عنه، أنه يتعارض مع “ثوابت” الاتحاد -ثوابت بين هلالين- لأنها ثوابت رخوة حتى الآن، فضلاً عن أن “إسرائيل” لا تربطها روابط جغرافية أو تاريخية بهذه القارة. وكانت دول إفريقية كثيرة قد التأمت واحتجت على هذا القرار، مثل جنوب إفريقيا والنيجر والغابون وجزر القمر والجزائر ودول أخرى، ما كان سيتسبب في انقسام حاد داخل الاتحاد.
نجح الاتحاد إذاً في تفادي الانقسام في موضوع عضوية “إسرائيل” كعضو مراقب، وشجب الانقلابات العسكرية وتفادى اقتحام قضايا محل نزاع كالصحراء، وبهذا كان يقترب من الموقف الأممي، وهذه سابقة في رشد الاتحاد وقوة آلياته في احتواء المناورات الخاصة لأعضائه التي أماتت الاتحاد وأفقدته حصانته، وزجت به في نزاعات بينية واصطفافات كيدية، شلت البيت الإفريقي.
بقي أن نحلل هذا الحدث بلغة السياسة والقانون والتاريخ، حيث لا أحد ينتبه إلى المخاطر القادمة.
إن تأجيل النقاش حول عضوية الكيان المحتل كمراقب في الاتحاد يجب فهمها كالتالي:
-إنه تأجيل وليس رفضاً، فالاتحاد حتى الآن تفادى الانقسام بين أعضائه، بتأجيل النقاش حول القرار إياه، ما يجعل الطلب وارداً في المستقبل. وهنا مكمن الخطر.
_إن “إسرائيل” تنقل معاركها إلى حيث ليس من المنطقي أن تكون، وهي توهم العرب تحديداً بانتصارات وهمية، لأن وجودها في قلب القارة السمراء هو وجود تغلغل سياسي واقتصادي قديم، بحيث عجزت الأطراف المناهضة لعضوية الكيان المحتل، عن مناهضته في الواقع والميدان الإفريقي. فالذي جاء بالاحتلال للاتحاد هم أصدقاؤه الأفارقة وهو لم يسقط من المريخ، وما كان ليتسرب للاتحاد لولا تغلغله القديم في أدغال القارة، منذ منظمة الوحدة الإفريقية.
فالمعركة وجب أن تكون في الميدان، لا في الشكليات. والخوف الآن من تغلغل الاحتلال في العمق الإفريقي اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، فهل يوجد مخطط لهذه المعركة عند الأطراف المعنية لمحاربة الاحتلال وتغلغله داخل النسيج الإفريقي؟ طبعاً لا توجد خطة من هذا القبيل، وهي غير واردة طالما هي ليست شكلية.
لقد تم الاكتفاء بإعلان انتصار على قرار إنما تم تأجيل النقاش فيه وليس إلغاؤه، وهنا وجب الحذر وتسمية الأشياء بأسمائها.
-في ستينيات القرن الماضي وفي وثيقة الشهيد مهدي بن بركة التي شارك بها في ملتقى فلسطيني بالقاهرة، تحدث ونبه إلى التغلغل الصهيوني في القارة، ونبه إلى وجود زعماء أفارقة ثوريين أنفسهم سقطوا في خدعة النموذج الإسرائيلي الفتي في التنمية آنذاك، من أمثال يولياس نيريري ونظراء له، غير أنه على الرغم من ذلك التنبيه، لم يوجد مخطط جاد لتحصين القارة من هذا التغلغل، ليطرح سؤال: أين كان القادة الأفارقة من هذا التغلغل منذ الستينيات، على الرغم من رفضهم لسياسة الكيان المحتل؟
-هناك ازدواجية في الموقف، حيث لم نشهد احتجاجات على عضوية الاحتلال في لقاءات واجتماعات، كالاجتماع الأمني المتوسطي الذي حضرته “إسرائيل” كعضو، وهو ما جعلها تطمع في التغلغل في هيئات إقليمية ودولية كثيرة، مستغلة الثغرات القانونية والفوضى السياسية وهشاشة الخطاب المناهضة للاحتلال وتلون سياسات الأنظمة العربية.
-سوف تلعب “إسرائيل” ببعض العرب، وتلعب معهم لعبة القط والفار، وستشعرهم بنشوة “انتصارات” شكلية تدرك مسبقاً عدم أهميتها، ولكنها تستنزفهم في الوهم، بينما المطلوب من الأنظمة أن تدعم خيار المقاومة ونضع مخططاً للآن وللمستقبل، فالمعركة لم تنته ولا تختزل هنا فقط، لا بد من العمل من خلال دعم الفصائل المقاومة مباشرة وبشجاعة كما فعلت سورية وكما تفعل إيران، وتحمل مسؤولية الكفاح الحقيقي، ذلك لأن الأنظمة لطالما أطعمت الفلسطينيين هواء، ولطالما باعتهم الوهم، ولطالما ركبت قضيتهم بالشعارات.
يضاف إلى ذلك وحدة المبدأ تجاه التطبيع، فلا يمكن رفع العقيرة تجاه بلد باسم مناهضة التطبيع والتعاون مع بلدان أخرى غارقة فيه، فالكيل بمكيالين مهزلة سياسية واضحة.
من هنا، وجب الدخول في مرحلة الوضوح والشجاعة في مناهضة الاحتلال، بعيداً عن المناورات الشكلية، وتمكين المقاومة الفلسطينية بما يتطلبه الموقف سياسياً ولوجستيكياً، فالطريق إلى فلسطين يتم من خلال المقاومة.

-من حق الشعب العربي أن يسأل السلطة الفلسطينية، عن برنامجها القادم، ومن حقه أن يسألها حتى عن المبلغ المالي الذي قدم إليها من الشقيقة الجزائر، فالسؤال: هل ستصرف السلطة هذا المبلغ على القوى المقاومة، علماً أنه وطبقاً لاتفاقية باريس، إن نسبة العمولة ستعود إلى البنك المركزي الإسرائيلي، على كل مبلغ تحصل عليه السلطة، ناهيك عن صرفه بالشيكل، وهذا يفرض على الأمة أن تتساءل: أين سيصرف هذا المال، بالنسبة للسلطة التي تربطها مع “إسرائيل” اتفاقية أمنية.
إن “إسرائيل” تلعب على المسرح الإقليمي، وتوهم العرب بأنهم انتصروا في قضايا شكلية، بينما هي تخطط لمستويات أخرى من الحرب.
فما عدا خيار المقاومة لا توجد أي حركة حقيقية، وما عدا انتصارات المقاومة على الأرض لا توجد انتصارات حقيقية، لذا وجب أن نحذر، فالعدو الذي يجب أن ننتصر عليه هو “إسرائيل” وليس غيرها، وهذا يتطلب انخراطاً في الميدان المقاوم بعيداً عن المزايدات الممسرحة.
نعم كل عمل قل أو كبر يحبط الكيان المحتل هو مهم، ولكنه يفقد قيمته حين يتحول إلى حالة مهرجانية، تتجاوز الموقف الجدي تجاه الاحتلال، التعدي به إلى أزلية الكيد اللانهائي، الذي لا زال يسم العقل السياسي العربي، الذي لا زال يعبر عن منتهى الهشاشة في مواجهة كيان غاصب، لم توقفه إلا المقاومة، المقاومة التي اجترحت نموذجها من تجربتها الاستثنائية. إحدى مقومات انتصار المقاومة تواضعها، ووفاؤها، وواقعيتها وشفافيتها.
المجد لشهداء المقاومة والنصر للمقاومين.
كاتب من المغرب

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار