“الرابسودي السوري”.. رحلة الحب الإنساني من أوله حتى تكامله
كل ما هو عميق للغاية، بما فيه ذلك الذي لا يمكن التعبير عنه بالكلمات، كله قالته الملحمة الموسيقية “الرابسودي السوري” للفنان إياد الريماوي التي نظمها الجناح السوري، أمس الإثنين 7 شباط الجاري، بالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية ضمن الفعاليات الفنية لـ”أكسبو دبي 2020″.
هكذا توحدت الإيقاعات المختلفة لنحو مئة عازف ومغنٍ بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، لتروي لنا الحكاية، حكاية سورية العظيمة، في ملحمة موسيقية واحدة ملونة، تخبرنا نغمة إثر نغمة، وصوتاً إثر صوت بأن على هذه الأرض، ولد أنبل ما في البشرية وأنقاه؛ أبجدية اللغة وأبجدية الروح، ومختصرهما: الحب.
عبر ثلاثة مستويات يمكن قراءة “الرابسودي السوري”؛ الجمال المتأتي من ترتيب قصدي موزون لجملة من الكلمات/ الألحان.. وما ينبثق عنه من عاطفة ومعنى، ثلاثية تتغير مع تغير الإيقاع الموسيقي بين صوت عالٍ ومنخفض، وبين تقدم آلة موسيقية وتراجع أخرى، وبين الانتقال الديناميكي من الموسيقا إلى الغناء والعكس مجدداً، وما يتزامن مع ذلك ويتوافق معه من مشهدية كونتها الصور المتحركة على الشاشة خلف الموسيقيين، ولعبة الضوء والظل على المسرح، والطابع المميز لأزياء الموسيقيين.. ومع اندماج كل هذه العناصر وتماسكها يولد زخم الحكاية، حكاية السوري العظيم، ورحلته من أول الجمال حتى تكامله.
في “الرابسودي السوري” يبدو لنا أن الفنان إياد الريماوي، أو هكذا نخاله، متأثراً بـرحلة البطل كما قدمها “جوزيف كامبل” في كتابه “The Hero with a Thousand Faces “، واستعرض فيه البنية الأسطورية لرحلة البطل النموذجي الموجود في أساطير العالم، فكما رأى “كامبل” أن معظم الأبطال العظام قد سلكوا طريق رحلة هذا البطل، يبدو لنا أن الريماوي آمن، أيضاً، بأن “السوري” سلك دورة البطل ذاتها ليصنع أسطورته، إذ جاءت البنية الحكائية- إن صح التعبير- لموسيقا “الرابسودي السوري” كما لو أنها تتبع رحلة البطل النموذجية استناداً إلى ما تزخر بها سورية من تراث عريق ومتنوع وأنماط مختلفة من الإيقاعات الموسيقية وطبقات متفاوتة من الأداء الصوتي، وذلك ابتداء من تقديم ترنيمة “نيكال”، أقدم تدوين موسيقي، عرفته الحضارة الإنسانية، يعود تاريخه لأكثر من 3500 عام، انتقالاً إلى تراتيل القديس أفرام السوري، أنموذجاً لأهم وأعمق تراتيل الغناء الجماعي الكنسي، صعوداً مع الطبقات الصوتية للغناء الصوفي وترانيم قصائد الحلاج، وصولاً إلى الذروة، حيث تتكامل وتندمج تلك الإيقاعات المختلفة والغنية، على خلفية مشهدية للحضرة الصوفية، وتشكل بمجموعها الوجه الأسطوري للسوري ذي 3500 عام.
وفي الخاتمة؛ الذروة تبلغ “الرابسودي السوري” كمالها الفردي والمتفرد، تفيض بكل ما فيها من عاطفة، عكست نفسها في ردود أفعال جمهور مسرح “أكسبو 2020″، ولاحقاً صفحات التواصل الاجتماعي، وترتقي عن السائد بكل مافيها من معنى أكد أهمية “الرابسودي السوري” كتجربة فكرية في حد ذاتها، قبل أن تكون تجربة موسيقية.