لا تحتاج القصة لبصيرة فريدة ، لفهم معانيها و أغراضها ، و إذا كان ترامب وظف قتل البغدادي في رصيده الانتخابي ، فإن بايدن , لم يقصّر عنه , و ها هو يأمر بقتل « عبد الله القرداش» ليشكل ذخيرة مهمة في الانتخابات النصفية التي تهدد الديمقراطيين بخسارة الكونغرس بعد فشل إدارة بايدن في العام الأول لحكمه. في كل الأحوال ، فإن مقتل الإرهابي ( القرداش) المسؤول عن مجازر بشعة في إرهابها ، يبقى خبراً جيداً للإنسانية ، و لكن الجيد أكثر فهم جوهر القصة ، حيث هنا القاتل – بشكل من الأشكال- على علاقة بالمقتول ، و كلاهما في دائرة إرهاب متكاملة .
سيرة القرداشي ، المتخفي عند مقتله ، بعباءة تاجر حلبي، و القطان في ريف منقطع بين شمال حلب و إدلب قرب الحدود مع تركيا ، و المرصود من المخابرات الأميركية منذ أكثر من ستة أشهر ، و الجاهز لتلقي عملية القضاء عليه في التوقيت المناسب لمصالح صاحب القرار بايدن . سيرة القرداشي ، الملقب بالقرشي ، و اسمه الحقيقي أمير الولي ، ابن مؤذن جامع ارتقى لمرتبة إمام ، باتت معروفة ، و كان اللافت فيها أن أسسها تشبه تماماً سيرة البغدادي . أميره وسلفه و الموصى به لخلافته في قيادة داعش ، فهو – كما البغدادي – كان ضابطاً في عهد صدام , ثم سجيناً في سجن بوكا الأميركي في البصرة ، و بقي بين يدي المخابرات الأميركية لعدة شهور في العام 2007 – 2008 حيث قدم للأميركان معلومات دسمة عن تنظيم القاعدة قبل أن يطلق سراحه لينخرط من جديد في التنظيم الإرهابي ليصبح أحد قادة داعش ، و أفصح البنتاغون عن وثائق قدمت صورة للقرداشي , كمخبر غزير الإنتاج , و نشط للغاية في تزويدهم بالمعلومات ، و ظل يرتقي القرداشي بعد أن أطلقته المخابرات الأميركية ، و بعد أن كان المسؤول الشرعي في القاعدة ، صار من مؤسسي داعش ، و عمل مفتياً للتنظيم، و هو من أفتى بقتل وسبي و اغتصاب الإزيديين ، كما تولى ولاية الموصل ، و انتقل ليكون النائب الأول لأبي بكر البغدادي ، حيث كان القائد الفعلي للتنظيم قبل أن يصبح زعيم داعش بعد مقتل البغدادي ، و هكذا فإن مخطط سيرة حياته الإرهابية ؛ من ضابط في قوات صدام إلى سجين عند الأميركان و مخبر نشيط عندهم ، ثم عضو في قيادة ، ثم قائد لداعش ثم قتيل على يد الأميركان في عملية جرى توقيتها لتكون شحنة لحزب بايدن في الانتخابات النصفية الأميركية ، كما أن تنفيذ هذه العملية لا بدّ أنه تم بالتنسيق مع تنظيم النصرة الرابضة على بعد مئتي متر من بيت القرداشي ، و من الأكيد التنسيق تم مع الجيش التركي الموجود أيضاً في المنطقة . بعد كل ذلك ، هل تحتاج سيرة هذا الإرهابي، بمخططها هذا ، إلى شرح لفهم معانيها ، و لاستيعاب الدور الأميركي في التنشئة و الاستخدام و التوظيف إلى الإنهاء ؟
هل تذكرون طريقة المافيا الأميركية ، من التجنيد إلى الاستخدام إلى التصفية بالقتل ؟ هنا نسخة القرداشي نسخة تكفيرية من مافيا إرهابية متكاملة بين المنشئ و المنسق و المتعاون و المستخدم و المصفّي .