هل تنعكس أرقام الإنتاج الحيواني على أسعاره المحلية؟
كشف تقرير صادر عن مديرية الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة حصلت “تشرين” على نسخة منه، أن كميات المواد والإضافات العلفية المستوردة خلال العام الفائت بلغت 866 ألف طن، 519 ألف طن منها ذرة صفراء علفية و189 ألف طن كسبة فول الصويا، إضافة إلى 148 ألف طن شعير علفي، و8108 طن مواد ومتممات علفية أخرى، في حين بلغ عدد العينات الرقابية على الأعلاف المستوردة 400 عينة، و135 عينة على الأعلاف المحلية، ووصل عدد العينات العلفية المحللة في مخابر تحليل الأعلاف بدمشق وطرطوس 5983 عينة لمختلف المواد العلفية, إلى ذلك أشار التقرير إلى أن مديرية الإنتاج الحيواني أنتجت خلال العام الماضي أكثر من 597 ألف قشة من قشات السائل المنوي اللازمة لتلقيح الأبقار من ثيران التلقيح الاصطناعي المنتقاة البالغ عددها 60 ثور تلقيح من سلالة (الفريزيان هولشتاين)، وبلغ مجموع التلقيحات الاصطناعية المنفذة للأبقار في الحقل 562 ألف تلقيحة اصطناعية، كما تم إنتاج 344 ألف ليتر من السائل الآزوتي اللازم لحفظ القشات.
المسألة ليست بنتائج التقرير المذكور، إنما بقراءة أرقامه ومدى انعكاسها على واقع أسعار المنتجات الحيوانية التي ترتفع يوماً بعد يوم، فصندوق البيض تجاوز 11 ألف ليرة سورية, وكيلو اللبن مسحوب الدسم تجاوز 2000 ليرة، والارتفاع على قدم وساق يطول كل أسعار المنتجات من ألبان وأجبان ولحوم وما إلى ذلك, فهل في تلك الأرقام ما يستبشر به المواطن وسوقه المحلية؟!
دق نواقيس
بمقارنة بسيطة مع نتائج خطة الإنتاج الحيواني الصادرة مؤخراً ونظيرتها السابقة عام 2020، بيّن مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة الدكتور أسامة حمود لـ “تشرين” أنّ أغلبية الأرقام متقاربة، ولا توجد دلالة كبيرة من نسبتها لبعضها، لكن ما يمكن استنتاجه هو استمرار عملية التربية رغم كل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع الثروة الحيوانية، وهو ما يلزم دق نواقيس العمل بكل الاتجاهات لدعم هذا القطاع المعول عليه في تحقيق الأمن الغذائي بالتشاركية مع الإنتاج النباتي، مما يستوجب تكثيف الجهود الداعمة من كل الجهات لاستعادة حالة الاستقرار وإعادة المربين إلى عملية التربية لتلبية متطلبات السوق المحلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي والفوائض التصديرية كما كانت عليه الحال قبل الحرب والحصار.
زيادة عددية بالأبقار
في تحليل للأرقام ومدى انعكاسها على واقع الإنتاج، فتلك المتعلقة بقشات السائل المنوي والمنتج من السائل الآزوتي والتلقيحات الاصطناعية المنفذة على أرض الواقع هي متقاربة مع مثيلاتها عام 2020 – حسب د. حمود – وهي تتجاوز بالعموم الخطة السنوية لمديرية الإنتاج الحيواني البالغة 500 ألف قشة و300 ألف ليتر سائل آزوتي و500 ألف تلقيح اصطناعي, وهذا يؤكد تطور مشروع نشر وتعميم التلقيح الاصطناعي الذي تقوم به وزارة الزراعة وتنفذه مديرية الإنتاج الحيواني، والذي يهدف إلى الزيادة العددية والنوعية لقطيع الأبقار في سورية، إضافة إلى إدخال صفات وراثية هائلة على اعتبار تلك القشات مأخوذة من المواليد الذكور للبكاكير المستوردة من إيران عام 2018 من السلالة المذكورة، وهي تحمل صفات وراثية عالية، ورغم أن تربية الأبقار تعاني من تكاليف الإنتاج ذاتها، إلا أن عدد مزارع الابقار المرخصة لعام 2021 بلغ 161 مزرعة، فيما وصل العدد عام 2020 إلى 59 مزرعة أبقار فقط، وربما يعود ذلك إلى الجدوى الاقتصادية الأكبر لتربية الأبقار مقارنة بالدواجن، حسب د. حمود، بينما بلغ عدد مزارع الأغنام المرخصة 26 مزرعة في عام 2021 مزرعة مقابل 16 مزرعة العام السابق.
خروج للدواجن وعدم تكافؤ
في السياق ذاته فإن عدد المداجن المرخصة في العام الماضي 167 مدجنة، وهي تزيد على نظيرتها البالغ عددها في العام قبل الماضي 133 مدجنة، وذلك يعكس – حسب المدير – الصعوبات التي يعاني منها قطاع الدواجن في التربية نتيجة غلاء المستلزمات، وتحديداً غلاء الأعلاف والإضافات العلفية، علماً أن العلف يشكل حوالي (75 – 80%) من تكاليف الانتاج وهو بأغلبيته مستورد، إضافة إلى غلاء أسعار المواد العلفية من الذرة الصفراء أو كسبة فول الصويا والمتممات العلفية و90% منها مستورد، وبالتالي فإن تكاليفها مرتبطة بارتفاع سعر الصرف، وهذا أدى إلى خروج عدد من مربي الدواجن من عملية التربية نتيجة عدم التكافؤ بين تكاليف الانتاج وسعر المنتج النهائي.
غير كافية ولا ضاغطة
بعد اطلاعه على نتائج التقرير المذكور سابقاً، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور محمد كوسا لـ “تشرين” أن أرقام التراخيص السابقة لا تعني أبداً التفاؤل بإقلاع للمشاريع المتعلقة بقطاع الدواجن والأبقار والأغنام، حيث إن كميات إنتاج تلك المشاريع متواضعة ولن تغطي السوق المحلية، ولن تتسبب بتأثير سعري حقيقي تجاه سعر المنتجات المماثلة في السوق المحلية, بمعنى أن إنتاجها غير كاف لجهات الكمية والسعر والتكاليف ليكون منافساً وضاغطاً في تخفيض الأسعار.
الحل بإيجاد البدائل
وبالسياق ذاته يضيف د. كوسا إن العلف المستورد أحد عناصر الإنتاج، وهو مرتبط بالتكاليف العالمية وسلاسل التوريد والنقل العالمية التي باتت باهظة التكاليف عالمياً بعد الحرب وكورونا، وهذا ينعكس على تكاليف الإنتاج محلياً أي إننا سنبقى في نطاق أسعار عالمية للفروج محلياً في ظل دخل محدود للمواطن، ناهيك بمسألة أسعار منتجات الطاقة والنقل المرتفعة بعد الزيادة الأخيرة، وعليه فإن الحل في استيراد الأعلاف هو إيجاد بدائل أوسع وأكبر لإنتاج المنتجات في الأراضي السورية من ذرة وصويا وغيرهما, والتخفيف ما أمكن من الاستيراد إلى جانب العمل على تعددية مصادر الإنتاج المحتملة وعدم التركيز والرهان على منتج واحد كما حدث في ملف القمح.
أدنى من المتوسط العام
الحل الذي اقترحه د. كوسا يرد عليه د. أسامة حمود بانخفاض ولو كان محدوداً بكمية الأعلاف والإضافات العلفية المستوردة خلال 2021، والتي بلغت 866 ألف طن, مقارنة بالعام السابق حيث بلغت 841 ألف طن، وهذه الكميات المستوردة خلال العامين أدنى من المتوسط العام للمستوردات التي كانت تتراوح بين (1,5 – مليوني طن)، وهذا يعكس انخفاض وتيرة الاستيراد نتيجة عملية العرض والطلب وخروج قسم كبير من المربين من الإنتاج نتيجة عدم أو انخفاض جدوى استيراد تلك المواد، مضيفاً: إن وزارة الزراعة خلال 2021 نفذت 11 دورة علفية لتوزيع المقننات العلفية حسب الكميات المتاحة لدى المؤسسة العام للأعلاف، 6 من تلك الدورات كانت لمصلحة قطاع الدواجن، وفي بعض تلك الدورات العلفية كان المقنن العلفي يغطي 50 % من احتياج قطاع الدواجن.
بداية خجولة
د. كوسا يرى أن الخطة الاستراتيجية لوزارة الزراعة مازالت قاصرة في جوانب عدة، أهمها الرؤية الكلية لتطوير قطاع الزراعة بشكل متكامل، وحسب تعبيره مازالت البداية خجولة وتحتاج إلى توسع أفقي وشاقولي، خاصة أن الدولة تمتلك منشآت اقتصادية ومزارع وتستطيع من خلال إعادة تأهيلها وتشغيلها من جديد بتحقيق إنتاج كبير عالي المستوى والجودة وينافس السوق المحلية وقابل للتصدير.
خطة تشجيع
علاوة على ما سبق، دعا د. كوسا وزارة الزراعة للتوجه نحو المواطنين في مسألة تطوير القطاع الزراعي واستثمار الإمكانات من خلال المشاريع الصغيرة، والعمل على بناء شبكة معايير وعلاقات إنتاج بينها وبين تلك المشاريع، وربطها بسياسات الوزارة واستراتيجيتها المتعلقة بتطوير الزراعة والإنتاج الحيواني، ولديها العديد من الخيارات أهمها الزراعة التعاقدية والقرى الزراعية المتكاملة والاهتمام بالتنسيق مع وزارة الإدارة المحلية لإنتاج نماذج البيت الريفي، وهو ما رد عليه د. أسامة حمود مدير الإنتاج الحيواني بأن خطة التشجيع التي تقدمت بها الوزارة تقوم على إخراج التربية من إطارها الفردي سواء فيما يتعلق بالأبقار أو الدواجن أو الأغنام، والعمل بناء على توصيات مؤتمر تطوير القطاع الزراعي المنعقد خلال 2021 على إنشاء شركات مساهمة كبرى تحتوي على سلسلة القيمة من بداية الإنتاج وحتى التسويق لتحصيل جدوى اقتصادية أكثر من عملية التربية الفردية.
ولربما الدلالة الوحيدة التي يمكن استنتاجها مما سبق أن لا انخفاض في أسعار الفروج والبيض واللحوم وغيرها يلوح بالأفق القريب.