ثمّة أناسٌ ترسلهم لك العناية الإلهية فيكونون مثل يدٍ حنونٍ دافئةٍ في هذا الشتاء الداكن، أو مثل هدية مفاجئة تجعلُ الفرحَ يورقُ في عتمة روحك، وثمّة تفاصيل ناعمة وأفعالٌ بسيطةٌ تجعلُ مياه الأرواح تتلاقى، بل تجعلك نهراً دافقاً يروي عطاشَ الناس والأماكن.
هل يعني ذلك أنّ المسألة فيها من «الكاريزما» المهداة من الكون والمزروعة في الوجوه كما لو أنها نسغُها الأبديّ، أم هي قدرة العقل الفذّ على مقارعة خيبات التفكير المُرهِقِ بأن يستسلمَ طواعيةً لسلامِ التلقائية وطمأنينة اليقين، أم هو التعاشق والتمازج الهارموني بين تموجات الروح وذبذبات العقل بقيادة مايسترو يدعى: الحبّ؟!
أقول ذلك كلما اصطدمت بأشخاص سلبيين تتآكلهم الطاقة التشاؤميّة بعكس أولئك الذين ذكرتهم في البداية، أناسٌ مستفزّون بشكلٍ مُكربٍ يبعثون الهمَّ والغمَّ والتوتر لمن حولهم لكثرة ما يتذمّرون ويندبون من دون أن يبادروا لفعل ما ينقذ أرواحهم وأرواح من يتقاسمون معهم العيشَ في البيت أو العمل أو البلد.
لكنني أتذكر أيضاً زميلاً قديماً تجري في جيناته سهولُ البساطة ومياهُها رغم كوارثه وفقره، أتذكر كيفَ كان يخترع فرحاً صغيراً جداً على شكل إبريق شاي وهو يضع حفناتٍ من السّكّر فيه حتى يصبحَ كما لو أنه «قَطْر عوّامة»، ثم يغلي الشاي ليصبحَ «تشاياً»، بإدغام التاء ودمجها مع الشين، يغليه مراراً حتى يتحول إلى خلطةٍ عجائبية معتّقة ومخمّرة، ثم يرفع بشغفِ المُحبّ كأسه مفاخراً بها وهو يقول لي: «هذا هو سرّ الحياة السعيدة.. صبّ شاي يا عمّي!».. لذلك صبّوا شاياً يا أحبّة.. وابتهجوا بما صنعتم.. بصحتكُنْ!
وضاح عيسى
4359 المشاركات