هوس القديم
ميزة الصناعة والتكنولوجيا؛ أنّ جديدها ينسف قديمها، والإبداع الجمالي الذي يبقى منها؛ هو «الأنتيكا» من سيارات، وأجهزة قديمة… والهوس بالقديم يأتي لغير سبب، إيقاع الحركة في الإبداعات الجمالية تمشي على إيقاع البحر الطويل، فحتى وصل ديوان العرب إلى مشهد قصيدة النثر، احتاج إلى ما يُقارب ألفاً وستمئة من السنين، وبعد عشرات الانعطافات في القصيدة الموزونة للتجديد فيها إلى أن استنفدت آخر جمالياتها مع مطالع النصف الثاني من القرن العشرين، ومع ذلك بقيت قصيدة القافية مجالاً للدراسة الأكاديمية وملمحاً من ثقافة شعب كان يُطرب لها على مدى جغرافية العالم العربي.
لوحات الفنانين من عصور قديمة، رسائلهم وخربشاتهم، وحتى ثياب النجوم ولاسيما النجمات من فساتين وقمصان، وغير ذلك.. جميعها تصبح أغراض أسواق المزادات العالمية، وأسعارها تجعل عظام صاحبها تتلوى في قبره لارتفاعها..
كلاسيكيات السينما والمسرح والملاحم والموسيقا والأغاني والأزياء، تتم العودة إليها كلّ حين، ونفخ الروح فيها لمجمل الأسباب السابقة، هل لأنها أصبحت تُشكّل هويّة ثقافية لأمة أو شعب، يتم التجديد فيها كل فترة بتوزيع جديد كما في الأغنية، أو بإكمال نواقص شهدها العمل الأول، أو كأن يُبنى على العمل القديم عمل جديد.. التمازج بين القديم والحديث، أو تقديم عمل إبداعي جديد يُناكف الأول.
في مسيرة الإبداع؛ فإنّ الدروب لا انفصال فيها ولا انقلابات، ثمة إضافات وهي محدودة للغاية حتى كأن كلّ ما يُمكن أن نقوله قد قُيل سابقاً، ربما الفرق يكمن في الصياغة الجديدة للأفكار القديمة، وربما من هنا قولهم «الأفكار على قارعة الطريق», والإبداع يكمن في إعادة تدوير الأفكار المتروكة على النواصي.
في أحد الأفلام الوثائقية لقناة dw tv»» الألمانية، يُحاول منتجوه معرفة الأسباب وراء هذا الهوس بالقديم على الصعيد الجمالي، وهذا الانتشار الواسع للأسطوانات والتنانير الفضفاضة وأغاني السوينغ الإلكترونية، وكلها من وقت ماضٍ، لكنها اليوم مرغوبة بشكلٍ غير مسبوق. أكان فيلم«غاتسبي العظيم» في السينما أو مسلسل «ماد من في التلفزيون»، أو تقديم موسيقا باروف ستيلِر في الراديو، أو على خشبة المسرح، كلها أعمال قديمة أصبحت اليوم أكثر شعبية.. ليصل إلى نتيجة: أن الزمن يتداخل ببعضه مع الألفية الثالثة، وصار هوس القديم أسلوب حياة للكثير من الشباب اليوم.
هامش:
في آخر المسافة
ننتظرُ تبدّل الفصول؛
كي
نستعدَّ من جديد
للتدافع خلفَ أحلامنا
الغايةُ فقط:
ترتيب الكون
حتى لا يصبحَ بحجم قبضة يد.. !