مهندس الديكور حسان أبو عيّاش يروي لنا بعض حكاياته مع الراحل بسّام الملّا
بعد أن غادرنا المخرج بسام الملا إلى رحمةِ الله استعرضَ رفيقُ رحلته الطويلة الأستاذ حسان أبو عيّاش بعضَ رسوم وتصاميم ديكورات المسلسلات التى أخرجها الراحل عِبرَ ثلاثين سنة من عملٍ دؤوبٍ جَهِدَ فيه كلاهما لإظهار أماكن الأحداث الدرامية بكل تفاصيلها ومنمنماتها التي أسعدت ليس فنيي الديكور العاملين في مواقع التصوير فقط، بل جعلت تلك الديكورات تُحفاً فنيّة يقصدها السياح والزوار السوريون والعرب كما لو أنهم يريدون أن يعاودوا عيشَ الحكايات كما عاشها أبطال الدراما السورية أنفسهم.
يحكي أبو عياش لـ«تشرين» كيف تعرّف إلى بسام الملا بعد خمس وعشرين سنة من عمله في التلفزيون، حيث عمل مع كبار المخرجين الرواد أعمالاً مهمة، إلى أن كلّفه الأستاذ بسام عام 1990 إعداد ديكورات «مسلسل الخشخاش»، وهو الشاب النشيط المملوء حيوية والمساعد الفعال في أعمال المخرج المرحوم علاء الدين كوكش، فبنى ديكورات المسلسل استديو المدينة الرياضية في اللاذقية، إلى أن كلّفه أيضاً عام 1992 الاشتغال على تصاميم “مسلسل أيام شامية” وكان الراحل يقول، حسب أبو عياش: “إن هذا العمل قصته بسيطة -بعد رفض عدة مخرجين تنفيذَه- لكن علينا أن نركّز على نقل البيئة الدمشقية بتفاصيلها إلى الاستديو، لذلك جهدنا مع الزملاء فنيي الديكور لتنفيذ ديكورات أقرب ما تكون للطراز الدمشقي – وكان نجاح العمل واضحاً منذ أول حلقة- ونقل الأستاذ بسام الديكور بتفاصيله ليجعل المَشاهِد مفعمةً بالحيوية.. فهو يلاحق بكاميرته أي تفصيلٍ مفاجئ ويوظّفه فنياً بطريقة جميلة مثل هرة تهاجم حمامة في باحة الدار مع استمرار تصوير المشهد الدرامي الأساس، وكان لا يقبل مثلاً بأن يقدم الطعام في المَشاهد إلا ساخناً يخرج منه البخار، بل يعاد تسخينه عند كل لقطة ليبدو المشهد واقعياً إلى الحدّ الأقصى».
بصمة “العبابيد” المميزة
لعلّ من الأعمال المميزة في وجدان السوريين وفي ذاكرة الدراما السورية هو “مسلسل العبابيد” الذي استمر العمل فيه حوالي سنتين رغم التوقفات الإنتاجية المتكررة التي حصلت له، لكن مَن ينسى الديكورات المميزة كـ”عرش الملكة زنوبيا” و”معبد الشمس” و”سور مدينة تدمر”، إضافة إلى تصاميم ساحات المعارك. يُكمل أبو عيّاش قصته: “تم تصوير العبابيد في أماكن مختلفة مثل استديو دمشق، وفي آثار مدينة تدمر، وقلعة الحصن، وفي منطقة الجولان وغيرها، وأخذ تصنيع الديكورات الكبيرة والمفروشات والإكسسوارات والزخارف الجبسية والتماثيل والأدوات الحربية وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً في محاولة منّي ومن الراحل الملّا أن نوثّق الطرز المتنوعة والمختلفة حسب الوثائق الموجودة في المتاحف».
تعدد بيئات وجوائز
مهارة أبو عياش لم تكن في فهم طبيعة البيئة السورية، بل في تنويع ابتكاراته أو صياغاته التي اشتغل عليها بتوسيع فرجار رؤيته البصرية ففي عام 1997 يحدثنا: “كلفني الأستاذ بسام بديكور مسلسل “أي بنيّ” وهو مسلسل عن البيئة النجدية، فكان لابد من السفر معاً إلى الرياض للاطلاع على البيئة السعودية القديمة، وقمت يومها بتصميم “قرية نجدية” بُنيت في مدينة الفيصل في “يعفور” السوريّة، بنيناها من الإسمنت وحسب الطراز النجدي، وبقيت هذه القرية موجودة إلى الآن بعد أن تم تحويلها إلى حارة شامية، وفي عام 2000 صممنا حارة مسلسل «الخوالي» في الغوطة الشرقية بكل تفاصيلها إضافة لسرادق الحج وتصنيع المحمل ورسم زخارفه المذهبة والهوادج وغيرها من التفاصيل، وعام 2004 بنينا حارة مسلسل «ليالي الصالحية» ونال الديكور جائزة أدونيا في دمشق، وعام 2006 كلفني الأستاذ بسام إعداد ديكور مسلسل باب الحارة -وكان بجزءيه الأول والثاني من إنتاج شركة “عاج” إلى أن أنتجته شركة ميسلون في أجزائه السبعة التالية- وقد بنيناه في مزرعة الشلاح بالغوطة الشرقية في دمشق، وكان نجاح العمل في أجزائه الأولى مدعاةً لبنائه بالإسمنت بدل الخشب وهكذا بقي الديكور قائماً يستقبل الزوار من كل البلدان العربية لعدة سنوات قبل الحرب على سورية.. ونال العمل جائزة أحسن ديكور بمهرجان القاهرة».
ما قبل النهاية
بتأثر شديد ينهي أبو عياش الحكاية: كان العمل الأخير هو مسلسل «سوق الحرير» عام 2020، حيث بنينا سوقاً كبيراً مسقوفاً وقريةً ريفية، وكان الأستاذ بسام يشرف على العمل من منزله بسبب المرض لكن التزامه وإخلاصه لعمله حتى اللحظة الأخيرة جعلاه شديد التوتر يُثيره أي خطأ أو عدم الالتزام الدقيق بما يطلبه، وهذا ما أثر في صحته جداً.. لقد كان بسام الملا حاضراً في فترة طويلة من حياتي المهنية.. رحمه الله.