رحل بسام الملا.. رحل القبطان!
كل مرة، يبدو الرحيل المباغتُ، قاسياً ولئيماً بحجم الخسارات التي يتركها في المشهد، فبسام الملا “1956 – 2022” لم يكن زائراً عابراً، بل هو من أهل البيت ومن العارفين بخباياه، والمشغولين إلى حدّ الشغف، بنبش الذاكرة وإحيائها على أمل العودة إلى الجذور. صحيح أن تلك الاستعادات لتاريخ الشام، سببت الكثير من الآراء والانتقادات، لكن ذلك لم يخفف من شأن الملّا الذي تمكن من اختطاط نهج دأب عليه ولم يحد عنه، كأنه كان مشغولاً بتأسيس رؤيا بعيدة المدى تقول بضرورة وضع التراث على بساط البحث، ومناقشة المستقبل استناداً إلى النتائج المرجوة. فهو من افتتح بأيامه الشامية سلسلة تاريخ الشام عبر الدراما. كما حاز مسلسله الشهير “باب الحارة” على مشاهدة غير مسبوقة في جميع الدول العربية، حيث بات الحديث عن اكتساح كبير تقوم به الدراما السورية على المستوى العربي والعالمي أمراً طبيعياً.
كانت الساحة الدرامية تحتاج دائماً إلى ذلك التعدد والغنى في تناول المواضيع. فالنمطية السائدة عربياً في مختلف الاختصاصات، كانت بحاجة إلى اختراقات وهزات تشبه رمي الأحجار في البرك الساكنة. وإذا كان الجمهور دائماً هو المقياس في تقييم الأعمال الدرامية، فإن أعمال الملا تحقق تقدماً على ما عداها، بإشكالياتها وأسئلتها وعناوينها التي كانت تؤدي إلى نقاشات وتبادل انتقاد بين وجهات النظر إلى التراث. وسواء اختلفنا مع الملا أم اتفقنا معه في ذلك، فهو صاحب بصمة وأسلوب عمل سيبقى طويلاً في ذاكرة الدراما السورية التي حملها الرواد بأساليبهم المختلفة وتقنياتهم المتعددة حتى أصبحت تجلس على رأس القائمة في برنامج المشاهدات المحلية والعربية.
نعم، لقد بكّر بسام الملّا كثيراً في الرحيل، لكنه ترك أساساً ونهجاً لابد أن يستمر في مقارباته المفاجئة والمختلفة، ولا نغالي إذا قلنا إنه كان بصدد انعطافات جديدة تضيف إلى الذهنية الدرامية فضاءات مغايرة لما درجنا عليه في السابق. فالملاّ صاحب تجربة لا تركن إلى حال ولا تألف استقرار. لن أقول إن بسام الملا شيخ المخرجين، ولا قبضان سفينة الرؤيا البصرية السورية، فالفريق الذي يقود هذا الاتجاه متعدد وغني ومتنوع الاتجاهات، لكن هذا الغياب المباغت اللئيم، يجعلنا نفكر بتداعيات سلسلة الخسارات الرهيبة التي تعرضت لها الدراما السورية خلال الفترة الماضية. تُرى ما هو حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق الدراميين الذين سيحملون الراية؟ ما هي الأسئلة التي سيثيرونها وما هي الإجابات المقترحة أمام جمهور تغزوه الميديا من كل اتجاه وصوب؟.