كأننا خسرنا جماليات أرواحنا منذ استبدل بعضنا منقوشات الزعتر وفطائر المحمّرة المشوية على الصاج بـ«البيتزا الطلياني»، وحين استبدلنا شوربة العدس أو مرق الحمّص البلديّ بـ« فتائل الشعيرية المنكّهة بشحم الجلاميط» أو بتلك التي يوجد على بطاقتها التعريفية آخر صورة التقطتها الدجاجة الباكية لنفسها قبل أن تتحول إلى حساء! وحين خجِلَ البعض من أكلة المجدّرة مع البصل الأخضر, وصاروا يتفكهنون ويتغنّون بـ«الكوردون بلو» و«الروكفور الفرنسي»، أو حتى حين استحينا من ألبستنا المُريحة متوهّمين أن «جينزاتِ ستريتش المطاطية» هي التي ستجلب لنا العريس اللقطة أو العروس «الفلتة»، أو حين أجّلنا أحاديثنا الحميميّة وجهاً لوجه، حيثُ العيون تُفصِحُ عن مكنونات الوجدان والشوق؛ و«اندغرنا» مثل المحرومين نحو أحاديث افتراضية إلكترونية لا نعرف فيها بالضبط إنْ كان محدِّثونا يبتسمون لأجلنا حقيقةً، أم إنهم يسخرون منّا كما يفعل «توم آند جيري» ببعضهما، أم يضعون «اللايكات» مجاملةً لكسب «لايكات» مقابلة، أم ببساطة رفع عتب و«تشليف» لايكات بالكيلو هنا وهناك؟.
مرةً فوجئت بمنظر صبايا مزدحمات في محلات أحذية نسائية لشراء «جزمات بلاستيكية عَ الموضة» ودُهِشتُ كيف صارت تلك «الجزمات» جزءاً مهماً من عالم الفتيات، تسبقهن أقدامهن إلى لبسها و«التغنّج» بها تيّمناً وتباركاً وتقليداً لما فعلته إحدى نجمات الدراما! تساءلت في نفسي: هل تعرف تلك الصبايا أن جداتنا الفلاحات كنّ يلبسن تلك «الجزمات» في سقاية الأرض قبلهن بمئة عام، من دون استعراض أو سعيٍ للفت نظر أجدادنا الغارقين في ضباب «التبغ البلدي»؟.
يبدو أن موروثاتِنا ستجعلُنا نخجلُ بها إذا لم نستحقها عن جدارة وبشجاعة أن نكون متحررين من الخوف من أن نُنعَتَ بـ«المتخلفين» أو «البسطاء»، فـ«الموضة” أو “الماركات» كما قال أحد مصممي الأزياء بدهاءِ ثعلب: “هي أكبر كذبة تسويقية، اخترعها الأذكياء لسرقة مال الأغنياء.. فصدّقها الفقراء.