منشر غسيل

ستكون حالة سوريالية بحتة؛ لو وجدنا في بيت شعري في قصيدة قديمة، مفردة (حبل غسيل) مثلاً، أو قطة البيت، أو مفردة (كراكيب)، أو كرسي، أو طاولة.. وغير ذلك مما يُحيطُ بنا من أشياء.. وهي سوريالية لا يُعادلها إلا الأحفورات (الجذلى) من مفردات البيئة الصحرواية، والتي كانت لشدة قلّتها، وكثرة مرادفاتها.. وكثرة المرادفات ليس لغنى اللغة، وإنما ربما يدل على العكس تماماً، فهي لأنها قاصرة تحتاج عشرات المدلولات لتفسير دالٍّ واحدٍ.
بكل الأحوال، ليس ما تقدم غاية الزاوية، وإنما هدفها وعي الشاعر المُعاصر للأشياء من حوله، فبعد مسارٍ طويل للقصيدة العربية في التخويض في المفاهيم العامة غير المحسوسة لقيم وشيم ومبادئ، ويبدو أنها كانت مجالاً واسعاً للشاعر لأن يقول فيها الكثير؛ انعطفت صوب مفردات محسوسة بالأصابع، أو ما عُرف بـ(اليومي)، وربما (المهمل اليومي) للأشياء من حولك..
مصطلحات مثل: الشجاعة، والكرم، الفروسية، وغيرها الكثير، كان الشاعر العربي يكتب فيها المعلقات.. غير أننا لم نقرأ في قصيدة عربية – على سبيل المثال – وقع خيمة ذلك الشاعر، أو وصف حالة تجفيف الثياب التي نجهلها اليوم تماماً.. مع إن امرئ القيس سرق ثياب العذراوات عندما نزلن غدير الماء يسبحن، ولكن لم تتم السرقة عن منشر غسيل.. بمعنى كان الشاعر العربي القديم مفطوراً على الماورائيات، والتي قاموسها كان في المصطلحات العامة بحيث إنه من السهولة أن (يمزق) قصيدة من مئتي بيت من الشعر في الشجاعة مثلاً، لكنه – على ما يبدو – كان عاجزاً عن وصف قدر الطعام الذي يأكل منه..
من سمات النص الشعري اليوم؛ الوعي بالأشياء، والذي كان حصيلة التحولات التي أنتجت (القصيدة الذاتية), وذلك ليس بوصف تلك الأشياء جزءاً من بنية المكان المحدد للحدث، وإنما أيضاً لأن الشاعر بحكم نوعيته الأسلوبية وتعامله الحر مع اللغة الحاملة للكثافة الأسلوبية، والمزاوجة بين ما هو بصري وما هو لغوي، وهو ما يُحيل لأن يُسهم المجاز في تركيز هذه المزاوجة في لفظ مشحون بالإيحاء والتأويل، وبما هو يومي ومألوف ومشترك، ولا زمني بحيث استطاعت الألفاظ أن تتحول إلى صور، تؤشر باتجاهين: اتجاه يُركز على فاعلية التجربة الذاتية بوصفها أداة للكشف عن الخاص والمنزوي والمهمل، واتجاه يُركز على فاعلية التجربة الذاتية للأشياء، وهي تتحول من خلال الشعرية إلى أبعاد جديدة، ولاسيما بالعلاقة بين اللفظ والشيء، وبين التّصور الذاتي والتّصور الموضوعي الخارجي، ومن ثمّ كان العياني والمشاهد اليومية، وحياة الناس العادية، وأشياؤهم المألوفة؛ هي التي جعلت الشعر يرتفع من الذهني إلى المجاز العياني مع الإدراك لظلال الأشياء الخفية، وذاتية الشاعر..
هامش:
قبلةٌ؛
لا تأتي من شفتيك، فقدٌ جديد..
فرحٌ؛
لا يأتي من ابتسامتك، حزنٌ مزمن..
ماءٌ؛
ليس من يديك ظمأ آخر..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
أكثر من 180 ألف طالب بين مكمّل ومحسّن يستعدون لتقديم امتحانات الدورة الثانية في 712 مركزاً امتحانياً بصمة إلكترونية بدل بطاقة التأمين الصحي.. مدير هيئة الإشراف على التأمين من حلب: تحد من الهدر والإحراج «زراعي الغاب» بانتظار نحو 85 مليار ليرة لاستكمال تسديد الحبوب المسوقة في مجاله استخدام الهاتف كوسيلة لتهدئة الأطفال يدمرهم على المدى الطويل ٥ مليارات ليرة الخطة الاستثمارية للشركات الإنشائية في الربع الأول من العام الحالي الحرارة إلى انخفاض وأمطار خفيفة متوقعة في المرتفعات الساحلية الخارجية الروسية: تصريحات زيلينسكي حول إنهاء النزاع مرتبطة بالانتخابات الأمريكية قبيل الانتخابات الرئاسية.. فنزويلا تعزز إجراءاتها الأمنية والرئيس ماورو: السلام سينتصر من بينها أزمة نقص الجنود.. تحدّيات خطرة تواجه الجيش البريطاني 120 ميغا إنتاجنا عبر الطاقات المتجددة ونهدف للوصول إلى 4000 ميغا عام 2030.. الوزير الزامل: ملتزمون بدعم الكهرباء المنزلية