من أكثر الظواهر مدعاة للتأمل والتفكير والبحث هي ظاهرة المتعلم الذي لم يستطع الخروج من ذهنيته التقليدية، إلّا إذا كان هذا الخروج من باب التعالي على من هم أقل منه في مجال التحصيل العلمي، في جانب آخر نستطيع الاقتراب من الجزم، والقول إن المتعلم لم يستطع أن يرتقي إلى صفوف الثقافة النهضوية، والتي من المفترض أن تؤهله لاقتراح أسئلة، ومن ثم البحث عن أجوبة لها من خارج المنهاج الذي أهّله لحمل المؤهل العلمي، والذي سيؤهله مهنياً فقط لسد شاغر في عمل وظيفي لا يطالب كرسيه بأن يكون شاغله مبدعاً، وهنا لبّ المشكلة التي تطول معظم المتعلمين، وتجعل بلدانهم تابعة للمراكز المتفوقة حضارياً، ليس في مجال التكنولوجيا وحسب، وإنما في مجالات العلوم الإنسانية أيضاً، وسوف تكون الطبقة المتعلمة في بلدان الهامش هي المتهمة والمسؤولة عن هذا التقصير، لكونها تمثل الشريحة النخبوية في المجتمع.
بالتأكيد هناك عوامل خارجية كثيرة لعبت في الماضي، وتلعب في الحاضر على أوتار مدروسة لجعل المتعلم في بلدان الهامش الحضاري بعيداً عن مركز الإبداع، ومن حاول منهم طرق باب الإبداع تم- في الماضي- ترحيله إلى المراكز الحضارية تحت مغريات شتى منها المال، ومنها توفر التحصيل الأكاديمي ومتابعة البحث العلمي، والعيش في جغرافيات أكثر أمناً وسلاماً، ومازالت عواصم تلك المراكز تسير على المنوال ذاته، لإبقاء شعوب الهامش تحت نير التبعية لها.. أما عند الاقتراب من العوامل الداخلية فسوف نجد الأسباب ذاتها تطفو على السطح، لكن الأسباب الأخطر منها هي ما تغوص في العمق، منها تربية الطفل قبل الالتحاق بالمدرسة، حيث يمارس الأهل كل أسباب القمع تحت ذريعة التربية الصالحة، فيكون الخوف هو سيد المشهد، الخوف من الوالدين بالدرجة الأولى تحت شعار الطاعة وبّر الوالدين، الخوف ممن سبقوه بالتقويم الزمني تحت يافطة احترام الأكبر، الخوف من الكائنات غير المرئية التي يلقن جبروتها من الأهل، ومن بيئته أيضاً، والتي تحاول إغواءه للابتعاد عن التربية الناجحة، ونقيضها الذي يحاول حراسته من الشرور، من دون الأخذ في الحسبان المنهج الصحيح الذي يتناسب وسن الطفل، بعيداً عن الجبرية والخوف.. في المراحل الدراسية اللاحقة سوف يتابع الخوف نشب أظافره، الخوف من إدارة المدرسة، الخوف من تدني العلامات، الخوف من الملاحظات التي قد تصل إلى الأهل عن طريق المدرسين، الخوف من النظرة الدونية للزملاء المتفوقين عليه دراسياً واجتماعياً، وسوف يتعاظم تأثير الخوف حسب التسلسل الزمني للمراحل التعليمية، إلى أن نصل إلى المرحلة الثانوية التي ستحدد نهايتها خياراته المستقبلية بعيداً عن رغبته الحقيقية، وبعيداً عن موهبته، بمعنى؛ بعيداً عن الإبداع الذي من المفترض أن يكون رفيق رحلته لإنقاذ بلاده من التبعية، وهكذا تدور الدائرة، فطفل اليوم هو أستاذ الغد، وتلازم النقاط مع بعضها هو من يعطي للدائرة شكلها الهندسي المتعارف عليه بين كل الفئات، والذي نستطيع رؤيته من دون جهد بالعين المجردة، ونتجنب البوح به خوفاً من أن تكون الدائرة تلك مجرد خدعة بصرية سوف تجلب لنا لقب الجاهل عند البوح بها للآخر.