جينات العتابا الطريفة عند أيمن زيدان!
حتى في عزّ ألمه والعتمة المحيطة به، استطاع الفنان أيمن زيدان أن يحوّل مكابداته وخيباته إلى تُحفٍ فنيّة كما لو أنها حُليٌّ مِن ذهب، أو كما لو أنه خيميائيّ عرفَ كيف يحوّل ميراثه من الألم إلى بسمةِ أمل ومواويل عتابا تشرَّبَها من حكمةٍ شعبيةٍ ورثها عن أجداده وجدّاته في منطقة القلمون (الرحيبة).
فما لا يعرفه الكثيرون عن الفنان زيدان هو أنه يجيد قول العتابا ومقارعة شعراء كبار عِبر زجلياتٍ طريفةٍ ولطيفةٍ بينه وبينهم، وتناقلها محبّو الفنان فصارت بقوّة الانتشار وزخمِ وسائل التواصل الاجتماعي تُدرَجُ ضمن سيرة الفنان الغنيّة والمتنوعة والمستمرة حتى اللحظة.
ففي إحدى حواريات العتابا الطريفة يُعتِّبُ الشاعر إبراهيم صقر ويتحدّى الفنان زيدان بقوله:
حبابي بالتبرّج برّجولي/وما بدّي جُول أعجن برّا..جولة
ولكْ يا أيمن إذا إِنت مدّعي بـالرجولة/ بسرعة رِدّ عَ إبراهيم الجواب”
فيردُّ عليه زيدان ضاحكاً:
“أكبر شاعر بالعتابا نخّ لي/زرعتْ الفن جوّا الأرض نخلة
وأنا اللي نَخَل كل الشّعرا مية نخله/ وبقيتْ وحدي واقف عَ البواب”
كأن جينات المرح عند زيدان لم تتمرأَ وتظهر لنا فقط على شكل أداءٍ خلّاب في مسلسلاتٍ كوميدية جعلتنا نطلق ضحكاتِنا للريح مع كل حلقة من “جميل وهناء” و”يوميات مدير عام” و”بطل من هذا الزمان” وغيرها… بل إن روح الممثل زيدان كانت تظهَرُ “خفيفةَ الدم” بحيويتها ولطافتها الأثيرية سواء في جلساته مع الندامى أو الأصدقاء أو زملائه الممثلين والمخرجين، وهذا ما أعطى محبّيه أيضاً هديةً إضافيةً ورسمَ صورةً جديدة مميزة لفنانٍ عرفناه أيضاً وهو يتقمّص شخصياتٍ دراميّة جادة أو قاسية الملامح وخشنة الطباع.
أذكر في دردشة قصيرة مع الفنان زيدان، حين صادف أن جلسنا متجاورين في أحد عروض مسرح الحمراء، تحدثنا بموضوع العتابا المغنّاة والزجل والتراث السوري الغنيّ، وسألته: لماذا نفتقر إلى هذا النوع من الأعمال إلا ما عُرِضَ من أعمالٍ ادّعت أنها “مسرحيات غنائية”، وقليل آخر كان الغناء والموسيقا من صلب العمل فعلاً مثل مسرحية “درب الخبز” لجوقة الفرح؟ يومها أجابني بدماثةٍ أنهم جرّبوا فيما مضى هذا النوع لكنه لم يستمر للأسف، وأكملَ بتلميحٍ ذكيّ وعبارة مقتضبة: “أعتقد أن السبب هو رأسُ المال وأصحابه”!.