مع اقتراب الاحتفال بعيد الميلاد المجيد يجدر بنا أن نلقي الضوء على إحدى الفضائل التي عاشها السيد المسيح بامتياز ألا وهي فضيلة التواضع.
فقد ولد السيد المسيح فقيراً، ويذكر الإنجيل المقدّس «أنه لم يكن مكان للعائلة في البيت فولدته الأم في مغارة وأدفأته الحيوانات بنَفَسِها».
وعندما أمر هيرودس الملك بقتل كل أطفال بيت لحم من ابن سنتين فما دون ليقضي على «الطفل الإلهي» هربت به عائلته إلى مصر، عائشاً طفولته ويفاعته وشبابه من دون أي رتبة أو لقب أو وظيفة، ولم يكن معتبراً من الكهنة لكونه وُلد من سبط يهوذا، ولم يكن له بيت، وبرغم ذلك دعاه الناس «يا معلم» قائلاً: «تعلّموا مني الوداعة فإني وديع متواضع القلب»، غاسلاً أرجل تلاميذه زائراً بيوت بعض الخطأة والعشارين ليهديهم معلّقاً: «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى» و«أليس هؤلاء أبناء إبراهيم» منقذاً المرأة الخاطئة من الرجم متفوهاً: «من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر»، متماهياً في محبته للإنسان وللتواضع صارخاً: «من أراد أن يكون سيّداً فليكن عبداً للجميع»، مانعاً تلاميذه من الجلوس في الصفوف الأمامية للمتكَآت، داعياً إلى عدم الاهتمام بالمظاهر الخارجية، مبيناً أن «المهم هو ما في قلب الإنسان» رافضاً القيام بأي معجزة لأجل المظاهر الخارجية، كما نلاحظ في تجسّد المسيح له المجد وميلاده التواضع ظاهراً في كل الأشخاص المحيطين بقصة الميلاد وخاصة أمّنا العذراء التي أنشدت إثر تبشير الملاك لها بحبلها الإلهي: «تعظّم نفسي الرب فقد ابتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى أمته فها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدّوس، ورحمته إلى جيل وجيل للذين يتقونه، صنع عزاً بساعده وشتّت المتكبّرين بأفكار قلوبهم، حطّ المقتدرين عن عروشهم ورفع المتواضعين، أشبع الجياع خيراً والأغنياء أرسلهم فارغين، عظّم فتاه ليذكر- كما كلّم آباءنا- رحمته لإبراهيم ونسله إلى الأبد» متجهة إلى عين كارم لتخدم نسيبتها أليصابات التي حملت بالمعمدان يوحنا وهي طاعنة في السن فور تبشير الملاك للأم العذراء بـ«الحبل الإلهي»، فصرخت أليصابات فور وصول الأم العذراء إلى بيتها «من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ»، وطبقّت الأم العذراء فعل التواضع هذا خادمة أليصابات أكثر من ثلاثة أشهر حتى ولدت الملاك المهيئ الطريق للمسيح، أعني المعمدان يوحنا الذي قال عنه السيد المسيح: لم تلد النساء أعظم من يوحنا المعمدان» والذي تنبّأ عنه النبي أشعيا الذي سبق المسيح بسبعمئة وسبع سنوات «هأنذا أرسل ملاكي قُدّامك، صوتُ صارخ في البرية أعدّوا طريق الربّ واجعلوا سبله قويمة».. قال المعمدان عن السيد المسيح -«سيأتي بعدي من هو أقوى مني، مَنْ لست أهلاً لأن أنحني فأفك رباط حذائه، أنا عمدّتكم بالماء ،أما هو فسيعمّدكم بالروح القدس».
ذلك غيض من فيض، نذكره استقبالاً لطفل المغارة الذي بشّر به الملاك الرعاة قائلاً: «لا تخافوا ها إني أبشّركم بفرح عظيم يكون فرح الشعب كلّه ولد لكم اليوم مخلّص في مدينة داود هو المسيح الربّ وإليكم هذه العلامة «ستجدون طفلاً مقمّطاً مضجعاً في مذود» وانضمّ إلى الملاك بغتةً جمهور من الجند السماويين يسبّحون الله فيقولون: «المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة.»