«الدّب» لمأمون الخطيب.. تماثلٌ للشّفاء شكلاً ومضموناً

من غرفة جلوسها غنّت «تمارا ـ زينة المصري» بصوت حزين وشجي، محييةً الذّكرى السّنوية لرحيل زوجها «رياض»، ومعلنةً استمرارها في الحداد على من لم يحفظ الحبّ وخانها بعدد طاولات المطعم الذي يديره، أرادت أن تكون مضرب مثل في الوفاء للزّوج والإخلاص وألّا تجاريها أرملة في ذلك، وكان لها ذلك حتّى اليوم الذي تقرر فيه العمّة «ليليت ـ رنا جمول» أن تضع حدّاً لجلد الذّات والحداد الذي لا مبرر له، فتقرر جمع كلّ الألبسة السّوداء من خزانة ابنة أخيها وتبعدها عن النّظر كخطوة أولى في علاجها وعودتها إلى حياتها الطّبيعية.

يوم لا يمرّ بشكل اعتيادي كالأيام السّابقة، إذ يقتحم هذه الأجواء الأنثوية الفائضة الهادئة رجل فوضوي الهندام والكلام «سمير الرّاعي ـ وسام محمود» ويطالبها بمبلغ كبير من المال كان أقرضه لزوجها قبل وفاته وحان الوقت لاسترداده، تعتذر «تمارا» عن تقديم المبلغ في اللحظة وتطلب منه الانتظار يومين آخرين إلى حين عودة المحامي الخاص وهذا ما لا يروق لـ«سمير» فيزيد غضبه وإصراره على البقاء لديهم حتّى نيله حقه.. تجلس العمة معه وتقنعه بالصّبر والتّروي وبضرورة التّعامل بشكل خاص ولطيف معها وتستفسر عن وضعه الاجتماعي فيتحدّث عن نفسه بأنّه كان من محبّي الطّرب الجميل ورومانسي جدّاً قبل أن يبدأ التّعامل مع الحيوانات، يحب بكلّ جوارحه، منفصل عن زوجته منذ خمس سنوات، وأنّه اليوم سعيد بالتّعامل مع الحيوانات التي يأكلون من خيراتها ولا تعجبهم رائحتها.. بعد تلميح من العمّة يدرك «سمير» ما تلمّح إليه العمة ويمشي مع رغبتها ورغبته ولاسيّما أنّه أدهش بجمال زوجة صديقه، لدرجة أنّه يمزّق سندات الأمانة التي بحوزته ويعبّر لها عن إعجابه بها وحبّه الذي تولّد منذ اللحظة الأولى للقائهما، لكنّها ترفض وتستمر في الرّفض لأنّه «دب ولا يفهم بالأصول والبرستيج»، ومع تهديده بالرّحيل مرّات عدّة تتمسك به وتحتضنه بحبّ.
في هذا النّص المقتبس عن الكاتب «أنطون تشيخوف» والمعروف من قبل الكثير من قرّائه، يتماثل مأمون الخطيب للشّفاء من دائرة الحرب التي اشتغل عليها منذ عشر سنوات، لكنّه لا يبتعد عن تبعاتها التي لا نزال نعانيها كسوريين يومياً اقتصادياً واجتماعياً، بل يحاول أن يخرج النّاس من هذا الجوّ الكئيب والحزين بالحبّ والرّومانسية، عرضٌ لا يتطلّب منّا الكثير من العصف الذّهني كأنّه يقول لنا: لن نتعب تفكيركم أكثر ممّا هو متعب بالهمّ اليومي، على مبدأ كلمته: «في قلوبنا ما لا يحكى.. وفي صمتنا ما لا ينطق»، ولاسيّما أزمة المواصلات التي لم تشكّل عائقاً أمام جمهور شغوف بمسرح سوري يلبي حاجاته ومتطلباته ولديه القابلية لرؤية ما يخالفها أيضاً، لاسيّما حين يستبدل مخرج العرض بعض شخصيات النّص الأصلي بما يقاربها كاستبدال الخطيب شخصية الخادم بالعمّة وهو ما يحصل كثيراً في الاقتباسات عن الأدب العالمي أو تقديمه بما يناسب البلد أو البيئة والمجتمع الذي نعرض فيه، تغييرٌ تقابله ردود أفعال مختلفة بين رفض وقبول وحب وتقبّل.
نصٌّ اختار له الخطيب شخصيات واضحة غير معقّدة أو مركّبة، فالحزن واضح عليها والفرح واضح أيضاً والفوضوية واللامبالاة، وابتعد فيه عن مجموعته المسرحية التي شاركها في عروض سابقة باستثناء رنا جمول، مفسحاً الفرصة ـ كعادته ـ أمام خريجين جدد من المعهد العالي للفنون المسرحية وهما الممثلان زينة المصري ووسام محمود والمخرج المساعد مضر الحسام.
وعلى خلاف ما شاهدناه في سنوات ماضية، يعتمد الخطيب على ديكور يوحي بجّدته وأّنه لم يُصمم أو يُستخدم في عروض سابقة، طبعاً نتحدث عن الأثاث الكبير والسّتائر بعيداً عن الإكسسوارات أو التّفاصيل الصّغيرة، وفعلاً هذا ما يذكره في الإعلان المطبوع للعرض، فالدّيكور من تصميم وسينوغرافيا كل من نزار بلال وريم الشمالي، أما التنفيذ فهو من قبل ورشة النجارة في مديرية المسارح والموسيقا ونفّذه فنّياً حسّان حيدر، كذلك السّتائر هي من تنفيذ ورشة الخياطة في المديرية أيضاً، ديكور يمهّد من اللحظة الأولى بالمكان وساكنيه، قصر كبير تسكنه سيدتان غنيتان تملكان من المال ما يوفّر لهما حياة رغيدة لعمر طويل.
إذاً.. هي دعوة للتّخلي، قدر ما تسمح به أرواحنا وأوجاعنا، عن الذّكريات الحزينة والكآبة المتراكمة منذ عشر سنوات والتّغيير ولو في أمور بسيطة والانطلاق بمشاعرنا الجميلة حبّاً وشغفاً بحياة أفضل نستحقها جميعاً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار