هاتفني صديق يرجو المساعدة في إيجاد حل لمشكلة وقع فيها مع أنه لا ذنب له فيما حصل، كان صوته متهدجاً، لدرجة أنه يمكن التنبؤ بأن دمعة تغرغر في عينيه من شدة تأثره، قال: اليوم جاءت دورية من قسم الشرطة تبلغني مراجعتهم، فقد اتصلت زوجتي وهي تبكي وأولادي أيضاً، تركت عملي وأسرعت إلى البيت لأفاجأ بأن صاحب المنزل الذي كنت قد استأجرته، وتركته من حوالي أربعة أشهر قد تقدم بشكوى ضدي يتهمني فيها بأنني دخلت المنزل وكسرت صنابير المياه ومسكات الأبواب والخزان .. ويختم حديثه بالطلب بمرافقته إلى القسم .. القصة أن صاحب المنزل تقدم بمعروض إلى المحامي العام، ومن الطبيعي وفق القوانين أن يحيل المعروض إلى قائد الشرطة، الذي بدوره يحيله إلى القسم أو المخفر الذي يقع ضمنه مكان الشكوى .. لقد كان رئيس القسم وضباطه وعناصره في غاية الرقي بالتعامل مع الأشخاص، ومع الحالة أيضاً خاصةً عند سماعهم الشاكي وهو يطلب رقماً خيالياً.
أحيل التحقيق إلى القاضي المناوب الذي درس الشكوى وأقوال المشكو منه وقرر الإفراج عن الصديق بعد أن شكّل قناعة -على ما أعتقد- أن هذه الشكوى ابتزاز. المسألة، أن هناك أشخاصاً يمارسون الابتزاز بهذه الطريقة وغيرها الكثير من الطرق .. هو قال يريد 400 ألف ليرة تعويضاً عن الأضرار، هكذا هو خمن أو قدر المبلغ الذي يريد أن يحصله زوراً وبهتاناً من هذا الشخص، صاحبنا كان مهدداً بالمبيت في (النظارة) وقد يكون لأكثر من يوم فقط لمجرد شكوى ما أنزل الله بها من سلطان.
على حساب من؟! المشكلة هي في معالجة شكاوى كهذه، فيجب أولاً تحييد أقسام الشرطة من معالجتها، لأنه في «الشكاوى الكيدية» المشابهة لهذه الحالة يكون الهدف منها الإرباك والابتزاز، بل ويكون سعيداً إذا ما بقي المشكو منه بالسجن لعدة أيام من دون أن يصيب الشاكي أي ضرر.. تحييد أقسام الشرطة يكون بأن يحيل المحامي العام مثل هذه الشكاوى إلى إحدى غرف التقاضي المتخصصة ويبلّغ المشكو منه إلى الجلسة المحددة مثل أي عملية تقاضٍ أخرى.. أي ألا يهدد هذا الشخص أو ذاك بالتوقيف لمجرد شكوى كيدية الهدف منها الابتزاز، وأولاً وأخيراً فإن الشكوى تحال إلى القضاء لإبرام حكم نهائي فيها.