صادف منذ أيام موعد استلام السماد من الجمعيات الفلاحية، حيث ذهبت منذ يومين مع والدي« رحمه الله » لاستلام كميات السماد التي كان قد اكتتب عليها في الجمعية، كانت سيارة قاطرة ومقطورة مليئة بكل أصناف السماد تفرّغ حمولتها في المستودعات تمهيداً لتوزيعها على المكتتبين.. لم يتأخر دورنا، حملنا حصتنا وعدنا إلى المنزل، جهزنا خلطة السماد « المركّب » لحين هطول المطر حيث تبدأ الزراعات الشتوية مع المطرة الأولى.
بعد فترة من استلام السماد بدأ موسم الخضار في سهلنا الخصب، وعندما بدأت أسعار الخضار بالهبوط و شعر الفلاحون أن الخسارة واقعة، كانت الشركة العامة للخضار والفواكه تنصب قبابينها في ساحة القرية.. والسيارات القاطرة والمقطورة تملأ باصناف الخضار وتتوزع إلى مختلف المحافظات السورية وإلى شركات الكونسروة وهكذا حتى نهاية الموسم.
لم يمضِ وقت قصير بعدها حتى بدأ موسم الحصاد، وبدأت الحصادات بحصاد القمح والشعير، و تلحقها براميل المازوت المعبأة في سيارات البيك أب، من دون الوقوف على دور وتحديد مخصصات وأرقام سرية..
بعد الحصاد يكون على الأغلب موعد جني الفستق( الفول السوداني) وكانت تزرع قريتنا والقرى المجاورة في سهل عكار آلاف الدونمات، لأنه يزرع كزراعة تكثيفية بعد القمح أو الخضار أو زراعة لموسم واحد. عند ذلك أيضاً كانت الشركة العامة لتسويق وتصنيع الفول السوداني« سيمكس» على ما أذكر، تبدأ بتوزيع لجان الاستلام على الجمعيات الفلاحية لاستلام المحصول من الفلاحين، حيث لا سماسرة ولا وسطاء.
بعد أن عشت كل تلك المواسم في لحظات، تذكرت أن والدي قد انتقل إلى جوار ربه، وهو في هذه الأيام يكمل عامه الثالث، لا يعرف كيف يقوم الفلاحون بتأمين السماد والبذار والمحروقات ولا كيف يبيعون محاصيلهم، ولا مع أي سماسرة يتعاملون ولا يعلم أن الخبز يباع بالبطاقة، وهو الذي كان يبني التنور من أجل خبزنا.. ولا يعلم أننا ننتظر أشهراً لتصلنا رسائل تكامل لاستلام الرز والسكر.. وهو الذي كان يذهب الى المدينة في رأس كل شهر لاستلام مخصصات البونات، حيث لا طوابير ولا تدفيش، أو شتائم من الموظفين.. ولا يعلم أن موعد استلام أسطوانة الغاز يصل إلى تسعين يوماً، وللمازوت والبنزين عشرات الحكايا.. منذ أقل من ثلاث سنوات تراجعنا أكثر من خمسين عاماً وكأن والدي وكل الذين ماتوا قبله كانوا يعيشون الرفاهية على أصولها!