استيقظت باكراً، وطلبت من أم العيال إحضار ورقة وقلم، واستبقتها قبل أن يبدأ رش الأسئلة، أريد أن أصدر تعميماً شديد اللهجة يتعلق بهدر الخبز وآلية توزيع ما تمنُّ علينا البطاقة منه, صمتَتْ قليلاً، وعندما همّتْ برشقة أخرى من الأسئلة كنت أتلو لها بنود التعميم : -تحدد مخصصات كل فرد من أفراد الأسرة بخبزتين يومياً، إذا كان طعام اليوم «مفركة بطاطا» أو ما في حكمها – خبزة واحدة إذا كانت الوجبة مجدرة برغل أو ما في حكمها – للفرد وجبتان يومياً فقط أي موضوع ثلاث وجبات والإفطار الصحي والعشاء الخفيف هي بدع يجب تجاوزها – تتحمل ربة المنزل نتائج كل مخالفة لهذا التعميم.
قطّبتْ حاجبيها وبدأت «سلخ» الأسئلة وأنا جالس وكأنني من أعضاء الحكومة «أذن من طين وأخرى لا تسمع».. استيقظَ الأبناء وأمعاؤهم خاوية ويطلبون الطعام، رمت والدتهم التعميم بوجههم عسى أن يشبعهم، لكن نباهتهم عطلت مفعول التعميم خاصة عندما قالوا بصوت واحد هذا التعميم باطل لأنك لم تقل بعد صباح الخير أي لم يسخن مكان جلوسك بعد, اضطررت لتمزيق التعميم و«لحس توقيعي» .. كما يفعل بعض المسؤولين!
منذ أيام استيقظت باكراً وكان كابوس التدفئة والتنقل قد أثقل ليلي، وبالكاد أفتح عيني, أيضاً طلبت ورقة وقلماً لإصدار تعميم آخر لتوزيع كميات المحروقات بعد «تعديل اعوجاجها» وتكلفتها، تم الأمر بأمان وسرى مفعول التعميم, لكن عندما نبهني البعض إلى أن «العمولات» قليلة ويجب تعديلها، قمت على الفور بإصدار تعميم آخر ينصف من يحمل الكالون إلى المنزل من خلال إضافة مبالغة جديدة على السعر, لكن هذه المرة لم «تزبط» أيضاً, أقسمت أني لم أصدر أي شيء يتعلق بتعديل العمولات برغم أن ملايين البشر قرأت تعميمي وشاهدت توقيعي, وتأشيرات آخرين على الورقة نفسها, هنا تدخلت «القرّودة» ابنتي الصغرى وقالت: علمتنا أن الكذب حرام وهو يؤدي بالكذاب إلى النار, وقلت أيضاً: إن الله سبحانه وتعالى سيضع الكذابين في براميل من القير المغلي يتقلبون فيها حتى يرث الله الأرض وما عليها, طأطأت رأسي خجلاً ثم قلت بصوت خجول: الكذب ملح الرجال!.