يبدو أن كل من يشير، أو يكتب.. أو يرفع الصوت بشأن الواقع الزراعي ودعم الزراعة، كأنه يطلق صرخة في وادٍ سحيق حيث لا يسمع إلّا الصدى فقط .. ذات مرة قال أحد نواب رئيس الحكومة، إن الصناعة قاطرة النمو.. و عندما تم اكتشاف «ضلال» هذه العبارة لعدم الإشارة فيها حتى إلى الصناعات الزراعية.. ومعامل العصائر تحديداً، كان قد تم التفريط بجزء كبير من مخزون القمح ..
اليوم هناك الكثير من الأصوات التي تنادي بضرورة دعم الزراعة، رغم أن كل السياسات التسعيرية تتجه إلى التجارة والصناعة .. الكهرباء الصناعية والمازوت الصناعي.. و كل هذا يؤثر بشكل سلبي في الزراعة تحديداً ولا مجال هنا للتعداد ..
كم خسرنا من إنتاجنا الزراعي.. وكم هي المساحات الزراعية التي خرجت من الاستثمار.. إن كانت بيوتاً محمية أو بساتين زيتون وحمضيات تم اقتلاع الأشجار منها لتغيير صفتها الزراعية وذلك بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدها المزارعون بسبب رفع الدعم عن السماد والمحروقات بالدرجة الأولى، وعدم تأمين المبيدات والآلات الزراعية الآمنة والفعالة.. لا نتحدث هنا شماتة، لكن الألم يكاد ينخر في العظام ..
بعد عدة أعوام من تخلي الحكومة تدريجياً عن الدعم يخرج إلينا وزير الزراعة ليقول إن رصيد المصارف الزراعية من السماد في العام الماضي كان صفراً ( أعتقد أنه مكعب).. تصوروا كيف أن ذلك يحدث في بلد زراعي ..!؟
لكن عندما أمطرت السماء سماداً وعندما أرادت الحكومة أن تملأ المستودعات، أصبح لدى المصارف الزراعية 55 ألف طن من السماد، تم ذلك بعد أن ابتهلت وزارة الزراعة وناجت التجار والموردين و المستوردين بأدعية وتعاويذ، استجابوا لها مخافة الله.. وليس ابتزاز الفلاح والمصارف الزراعية بالدرجة الأولى.. خاصة أن سعر الكيس الواحد سعة 50 كيلو يتراوح بين 70 و 90 ألفاً حسب النوع ..
الحكومة تطالب وزارة الزراعة بإعداد تقارير لكيفية دعم هذا القطاع .. وكأن الحكومة لم تقم بإلغاء دعم السماد، والمازوت.. أي إنها تتصرف وكأن لا علم لها بأن مزارعي الحمضيات يخسرون حوالي 45 بالمئة من إنتاجهم بالحد الأدنى نتيجة العطش وانهيار الأسعار.. لقد جفت عروق الأشجار بسبب عدم الري، أسعار المازوت ( فلتت ) والكهرباء لمن يدفع أكثر. . بالقانون ومن دون تقنين ..
إذا غاب عن أذهان الحكومة كيف يكون الدعم، نحيلها إلى أواسط ثمانينيات القرن الماضي والتسعينيات ليتذكروا كيف نهضت الزراعة وحصل الاكتفاء الذاتي.. وأغلب الوزراء يعون تلك الفترة بكل تفاصيلها .. !؟