سوق الفن..!
ثمة أكثر من التباس، لابدّ سيتلمسه المُتابع لـ”سوق” الأعمال التشكيلية، سواء في سورية، أم في العالم العربي، وحتى في العالم بشكلٍ عام، وسيزداد أمرُ الالتباس إذا ما تمّ إجراء شيءٍ من المقارنة بين هذه “الأسواق” الثلاثة!
وهذا الالتباس، يُقارب عمره اليوم الخمسين سنة، وذلك عندما بيعت، ولأول مرة لوحة للفنان الهولندي “فان كوخ” بعشرات الملايين من الدولارات، وتحديداً عندما بيعت لوحته “عبّاد الشمس” لشركةٍ مالية يابانية بمبلغ (25) مليون دولار، وهذا المبلغ الضخم حينها، تمّ دفعه في بدايات عقد الثمانينيات من القرن الفائت، علماً أنّ الكثير من النقاد ينظرون بالكثير من الريبة إلى هذه اللوحة الانطباعية التي أنجزها هذا الفنان العبثي في لحظةٍ من لحظات هذياناته الكثيرة، ومن يومها انتشى سوق اللوحة التشكيلية تحديداً، وليس المنحوتة، أو غيرها من أنواع الأعمال التشكيلية الأخرى، إذ تزدحمُ وسائل الإعلام اليوم، وتنشر الكثير من وكالات الأنباء أخبار “المزادات” العالمية، التي يتم فيها شراء لوحات لبعض الفنانين العالميين بملايين الدولارات، وبأرقامٍ تجعلُ المرءَ “يفغرُ فاه!”.
حتى إنّ الأمر لم يتوقف عند لوحة لأحد هؤلاء الفنانين، وإنما قد يكون المزاد على رسالةٍ ما، كان أرسلها ذلك الفنان لعشيقته، أو قصاصة “شخبر” عليها ساعة ملل، تكون كافية لأن تُباع اليوم بملايين الدولارات ذاتها!
وإذا كنا نصفُ سوق الفن التشكيلي في العالم بـ”الفنتازي” والخيالي، فإنّ هذا السوق في العالم العربي، لا يمكن وصفه إلا بـ”الكوميدي” ولنعترف -رغم كل النزعات القطرية التي تأتينا اليوم من كل حدبٍ وصوب- أن الفنانين الذين برزوا في العالم، ورغم صعوبة “البروز” هنا، كانوا سوريين، والمفارقة إن من تُباع لوحته بالأرقام الكبيرة هم من فناني الخليج العربي، رغم كل “الفضائح” التي طالت أسماء الكثير منهم، بعضهم أمراء وأميرات، تبيّن أن ليس لهم من اللوحة إلا “التوقيع” والرسام الحقيقي قد يكون من “العمالة” الهندية أو السريلانكية، وغيرها من الجنسيات التي تعمل في تلك الصحاري، وستبلغ الكوميديا ذروة “الفارس” عندما نعرف أن من يشتري تلك اللوحات هم أمراء نفطيون، أو رجال مال وأثرياء خليجيون، ومن ثم يكون أمر البيع، تماماً بصيغة “بضاعتنا رُدت إلينا”!
في سورية لا يمكن وصف حال سوق الفنون التشكيلية، إلا بـ”التراجيدي”، فالفنانان التشكيليان اللذان بيعت لوحاتهما بأسعار عالية هما الراحلان: لؤي كيالي، وفاتح المدرس، والغريب أن تلك الأرقام الكبيرة، التي بيعت بها تلك الأعمال، قليلاً ما تسرب إليها الشكّ، والريبة، وأظن أن الأمر يأتي من ضرورة “الحفاظ” على سمعة موتانا، ففي العالم العربي وحده، يُعطي الموت “شهادة حسن سلوك للمتوفى” فيما الريبة والشك والتكذيب تطول كل من تجاوز سعر لوحته اليوم المليون ليرة سورية، وأمر الارتباك الذي حصل في سوق الفنون التشكيلية السورية، هو الصيغة التي مارستها إحدى صالات العرض السورية – والتي هي أقرب إلى المخزن – وذلك بعقود الاحتكار لبعض الفنانين دون غيرهم، ففسحت المجال للوحتهم أن تُباع بـ”الملايين”، أو على الأقل ثمة جرأة لأن يُكتب اليوم على لوحاتهم مليون أو مليونان، أو مئة مليون أقول ذلك لأن (99 فاصلة 99 بالمئة) من “الزملاء” الفنانين، يؤكدون أن هذه الملايين ليست إلا وهماً، والحقيقة الكاملة مختبئة في دبي؟!