في بعض الظنون
ينصح الشاعر صالح عبد القدوس المرء ألّا يكون كثيرَ الظنِّ لئلّا يقع عليه وزرُ آثامِها، مشيراً إلى أنّ الشكوك ضارة بالمرء تخلق له العثرات والصعاب:
ألا إنَّ بعضَ الظنِّ إثمٌ، فلا تكن ظَنوناً لما فيه عليكَ إثامُ
وعن سيئ الظنون وأبعادها وتأثيراتها العميقة على طمس الحقائق وتضييعها في المجتمعات، يشير أحمد شوقي معتبراً أنّ الظنون السيئة تؤثر على الضمائر فتجعلها تنظر إلى الأمور بشكلٍ معوجّ مختلف ينعكس سلباً على صيرورة الحياة ومنطق العدل وانتصار الحقائق، يقول:
ساءتْ ظنونُ الناسِ حتى أحدثوا للشكِّ في النورِ المبين مجالا
والظنُّ يأخذُ من ضميرِك مأخذاً حتى يُريكَ المستقيمَ مُحالا
وأخطر ما تكون الظنون حين تحومُ حولَ الأصدقاء كما يرى رشيد سليم الخوري (القرويُّ)، فتبدّدَ شمْلَهم، وإذا كان من الصعوبة إيجادُ صديق، فإنهُ من الجهل وقلّة التدبير أن يضيّعَ الصديقُ صديقَه ويخسرَهُ، حين يرميه بالظنون من دون تروٍّ:
ما زلتَ ترجمهُ بظنٍّ سيئٍ حتى أضعْتَ صديقَك المختارا
وعُرى الودادِ إذا أحسّتْ ريبةً تحت القميصِ، تفارقُ الأزرارا
ويشير أبو تمّام إلى أنَّ بعضَ القلوب تُحسُّ بما ينطوي عليه مؤشرٌ صادرٌ عنها مما يُرى فيما يحيط بالمرء في حياته وعلائقه المختلفة، وهو بذلك إنما يدعونا بنباهته إلى الحيطة والحذر، وليس إلى الأخذ بالشك والريب:
ولذاك قيل من الظنون جليّةٌ علمٌ، وفي بعض الظنون عيونُ
وهذا صفيّ الدين الحلي يقاربُ رأي أبي تمام فيدعو إلى التروّي وعدم التسرّع في الظنِّ الحسن والثقة بالآخرين لمجرّد لقاء لوهلة مرّت، يقول:
لا تُحسنِ الظنَّ فيمن يُرضيكَ حُسنُ لقائهْ
فمن يُردْكَ لأمرٍ يمُلْك، عندَ انقضائهْ
ويرى أبو الطيب أن الأفعال السيئةَ تصدرُ عن أشخاصٍ سيئين يعتادون تصديقَ أوهامهم والتي لا تعدو كونها أوهاماً، فيقعون حبيسي ظلمة تلك الأوهام والشكوك، والتي غالباً ما تُردُّ في نحورهم لتقضَّ مضاجعَهم:
إذا ساء فعلُ المرءِ ساءت ظنونُهُ وصدَّقَ ما يعتادهُ من توهُّمِ
وعادى محبِّيهِ بقولِ عِداتِهِ وأصبحَ في ليلٍ من الشكِّ مُظلِمِ