الطيشُ أن تعمل ما تشتهي!
بلغة المجرّب ذي البصيرة يكتب المعري، داعياً لتجنّب مصادقة الحمقى من الناس، لأنَّ في ذلك مأمناً من الوقوع في شرورهم، وما يوجبُ أن يكون أكثرَ استحضاراً للعافية، يقول:
عداوةُ الحُمْقِ أعفى من صداقتِهم/ فابعدْ عن الناس تأمنْ شرَّةَ الناسِ
يسهب الشاعر «مسكين الدارمي» في تنبيه الناس وتحذيرهم من مصاحبة الحمقى، أو معاشرتهم، ويشبّه الأحمق بالثوب البالي المهترئ الذي لا يجدي معه الترقيع والرتق، ويذهب أيضاً إلى أبعد من ذلك في توصيف الحمقى، يقول:
اِحذرِ الأحمقَ أن تصحبَهُ إنما الأحمقُ كالثوبِ الخلِقْ
كلّما رقّعتَهُ من جانبٍ حرّكتْهُ الريح وهْناً فانخرقْ
وأما الزهاوي فيحذر من مغبّة أفعال الطيش والجهل ومن نتائجها الوخيمة، إذ إنّ ما بُني خلال سنين طوال ليس في مأمن من أن تهدمَه وتضيّعه أو تجعله أثراً بعد عين:
ليس شيئاً يضرُّ بالناسِ كالطيش إذا دام دافعاً للحياةِ
رُبَّ أخلاقٍ أُحرزتْ في عصورٍ فأُضيعتْ بالطيشِ في سنواتِ
ويدعو بشار بن برد إلى الحزم والعمل لإدراك الفأل الحسن في الحياة، مشيراً إلى أن داء الحماقة الفضح سيّان عند أصحابه، أَكَدّوا أو لم يؤكدوا، يقول:
ما ضرَّ أهلَ الحمقِ ضعفُ الكدِّ أدركَ حظاً من سعى بجِدِّ
أما إذا جاءك الأحمق ناصحاً فاضرب بنصائحه عرض الحائط، ذلك أنَّ عينهُ لا يمكن أن تقرَّ إلّا على ما يناسبُ طبعه الأحمق، يقول عبد الله السابوري:
قرّةُ عينِ الأحمقِ الحماقة كُلُّ فتىً ملائمٌ أخلاقه
ويحاول الأديب عباس محمود العقاد أن يضع تعريفاً للطيش وأهله، ويدعو إلى الحذر مما يُتٌّقى شرّه، يقول:
الطيشُ أن تعملَ ما تشتهي وقد يساوي فيه النفع الضررْ
والحزمُ أن تحذرَ ما تتقي وقلّما يغنيك فيه الحذر
الحماقةُ إذاً من الجهل منبعها، وكلاهما شبيهٌ بنظيره، وما يزيدهما وينميهما العناد، وكلّ ذلك على نقيض تام مع العقل والعلم والحلم والحكمة، وتلك لعمري كنوز ولا أنفس وهي الأقانيم والأسرار التي تقود المنعمين بها إلى حتمية سعادة خاتمة الفوز والعبور الآمن من كل مفازةِ وخضمِّ شدة إلى الشاطئ المنشود وبرّ الأمان والسلام.