سُقُوطٌ آخَر “لِلإِخوَان”
سقطت «العمامة» المزيفة واستعراضات الوجاهة والأناقة والشعارات “الإخوانية” الرنانة والبراقة، وافتضح التشاوف المصطنع، بل سقطت ورقة التوت الأخيرة عن تنظيم «الإخوان المسلمين» وذراعه السياسية «حزب العدالة والتنمية» في المملكة المغربية.
سقوط آخر مدوٍ لمعاقل «الإخوان» ليس في المنطقة العربية وحسب، بل في العالم الإسلامي بات حقيقة، بعد لفظ «العدالة والتنمية» المغربي الذي طبّع مع الكيان الصهيوني بالأمس القريب على أمل القبول والرضا والاستمرار ونيل الثقة الداخلية والحصانة الخارجية.. ولكن حتى هذا “الانبطاح” لم يشفع له، فكان سقوطه الحر هذه المرة عبر صناديق الانتخابات، وتعد هذه السقطة بألف لأنها جاءت عبر حاضنته ومريديه ومؤيديه بعد أن خبروه وجرّبوه وامتحنوه بعد أن أشبعهم لسنوات بتنظيرات العدالة، والمساواة، والحرية، ومحاربة الفساد والمفسدين، ومقارعة أعداء الإسلام والمسلمين، فسقط في كل الامتحانات الشفهية والكتابية والعملية في أول تجربة حقيقية في الحكم، حين تولى سعد الدين العثماني حكومة المغرب.. فكان الرد عبر صناديق الاقتراع التي لا تكذب، وهذه هي الخسارة الواقعية الحقيقية، لأنه هو من كان مسيطراً على مقاعد السلطة التشريعية في المغرب بشكل مطلق، وهو من شكل الحكومة على لونه ومزاجه ومقاسه.. والأهم مما تقدم أنه لم يتعرض خلال فترة حكمه في المغرب منذ العام 2011 لأي مضايقة سواء داخلية أو خارجية أو لانقلاب، بل كان يتفاخر ويفاخر بأنه يحكم بشكل مطلق وهو الأقدر على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكان له ذلك، فهُزم شر هزيمة في بيته الداخلي، من قاعدته الشعبية التي أتت به إثر تنامي تيار الإخوان بعد ما يسمى «الربيع العربي» 2011.
الجميل بذلك أن ذات القاعدة التي ناصرت «العدالة والتنمية» هي اليوم من كشفت زيف شعاراته البراقة الكاذبة، وفشله الذريع في التأقلم والتوافق مع حاضنته من جهة، ومن جهة أخرى مع كل المكونات المغربية الحزبية، والقبائلية، والأهلية.. بل أيقنت هذه الحاضنة أن «العدالة والتنمية» لا يصلح للدين ولا للسياسة ولا للاقتصاد ولا للحكم، وهذه هي هزيمتهم الحقيقية.. وهي شر هزيمة بعد ما يسمى “نضال” زهاء 60 عاماً من التملّق والتسلّق والنفاق الكاذب المزيف للوصول إلى الحكم، ولكن بعد أول تجربة ذاب الثلج وبان المرج كما يقال، واتضح لحاضنته الشعبية قبل غيرها أنه ساقط، فكانت شر سقطة لهم.. وخير سقطة لسواد المجتمع الذي جربهم خلال فترة وجودهم في السلطة، وكشف غرورهم وقلة خبرتهم السياسية، فجلّ ما يجيدونه الخطابات الرنانة التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، ويمارسون الموبقات والمحرمات والجرائم كلها تحت “العمامة”.. والعمامة منهم براء.
ومن لا يوافقهم أو يكون معهم يلوحون بورقة الاستقرار، والحرب الأهلية، والتدخل الخارجي، والارتهان للخارج، والتصفيات والاغتيالات للتخلص من معارضيهم، وهذا كان مقتل “الإخوان” في كل التجارب السابقة في البلدان العربية، بدءاً من الكويت ثم الأردن وفلسطين والسودان ومصر وتونس والأحدث في المغرب.
لقد نجح «الإخوان» وأذرعه في البلاد العربية في غش المواطنين بأنه يلعب دور المعارضة من خلال طرح شعارات كبيرة تلامس أوجاع الناس، ولكنهم يسقطون في الحكم بعد أول شهر في السلطة، فهم يجيدون الهدم ويفشلون في البناء وقبول الآخر والعمل بروح الفريق والجماعة، وهم يؤمنون بسياسة إلغاء الآخر، والتحيّز لذاتهم.
وهذه السلوكيات هي سبب انهيار قلاع «الإخوان» كما قصور الرمال التي تُبنى على شواطئ البحار في البلدان العربية، وكان آخرها في المغرب العربي.. وهذا لم يكن مفاجئاً لنا ولكل المراقبين، وكانت نتيجة حتمية وطبيعية وواقعية مثلما جرى مع حكومة «الوفاق» الإخوانية في طرابلس.. ومع «الغنوشي» وأزلامه ومرشدهم رئيس النظام التركي في تونس.
إن تجربتنا مريرة مع تنظيم «الإخوان المسلمين» الذي يجيد التلون والمراوغة والقدرة على التسويغ والإصرار على «الإسلاموية» لاقتناص الفرص للوصول إلى السلطة ولتحقيق مشروعه الإيديولوجي، تحذوه أفعال تفيض بالمراوغة والاستئثار والتميز والإقصاء والعنف والإرهاب من أولئك الخانعين الخاضعين لحسابات رئيس النظام التركي لأنهم يعيشون بين أحضانه ويتنعمون في فنادقه ومنتجعاته، ولأنهم يعتبرونه «الأب الشرعي والمرشد الروحي لمشروعهم الإسلاموي» في المنطقة، وهذا يتم بتمويل سخي من مشيخة قطر “الإخوانية” وبرعاية وعناية واهتمام أمريكي- صهيوني.
تنظيم الإخوان وكل فروعه، سيبقى غير مقبول مهما تلون ومهما خادع ومهما نمّق ذاته فهو موسوم بالإرهاب ونشأته مشبوهة وتاريخه أسود.
والسوريون خير من خبروا وجرّبوا شعاراتهم البراقة الكاذبة منذ عام 1979 في الوقت الذي كانت الكثير من الدول تحتضنهم وتدافع عنهم وتقدم لهم المال والسلاح، والسوريون أكثر من دفع ثمن تنظيرهم وخطاباتهم واستداراتهم ولولبيتهم وإرهابهم الدموي، وآخرها، مباركتهم لأوهام أردوغان بـ«الصلاة الجامعة في الجامع الأموي» وخلفه «قادة الإخوان»، وهم من باركوا دخول النظام التركي بشكل مباشر في الحرب على سورية عبر فتح حدوده البرية والبحرية والجوية لكل التنظيمات الإرهابية وضمن لهم الحماية والرعاية والتدريب والجنسية لمتزعميهم في إطار تقاطع المصالح مع النظام التركي، وبعد أن فشل الوكيل بالمهمة باركوا للأصيل «التركي» عمليات النهب الممنهجة لثروات الشعب السوري من نفط وغاز ومخازين الأقماح والأقطان وقطعان الأغنام.. وأفتوا بـ”شرعية” حروبه العدوانية على الشمال والشرق السوري المسماة «غصن الزيتون 2018» و«نبع السلام 2019».. وهم من باركوا وأيدوا وشرعنوا لنظام أردوغان قطع المياه عن أهلنا في الجزيرة السورية.. وهم من نسّق ولا يزال مع التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» وما تم تفريخه من تلك «المفرخات» الإرهابية لإطالة الحرب على سورية، وتشديد الإجراءات القسرية أحادية الجانب غير الشرعية على إخوتهم السوريين.
خلاصة القول: «الإخوان» و«العدالة والتنمية» وكل الفروع “الإسلاموية” فشلت جماعات وأفراد في إدارة الحكم، واحترقت كل أوراقها.. ليس بسبب العداء والكيد لها من الخارج كما يروّجون ويدّعون.. وإنما بسبب سلوكياتها القذرة المكشوفة الهادفة إلى تبرير «الغاية تبرر الوسيلة».. ولم تعد تنفع حتى مع حواضنهم فكرة تلويحهم بتفجير حالة الهدوء وضرب الاستقرار في مجتمعاتهم، أو حتى إرهاب معارضيهم بالاغتيال والتصفية..