الطاقات المهاجرة ..!

حاولت ألا أصدق ما رأته عيني أمام مركز الهجرة والجوازات بدمشق لصورة الشباب الراغبين في الهجرة, وهم في مقتبل العمر وبداية العطاء, لكن الواقع ومخلفات الحرب على سورية وظروف المعيشة ترخي بثقلها الثقيل على كاهل الجميع, وتسقط أمامها كل التبريرات لاندفاعات الهجرة, متناسين تماماً أن قوة أي اقتصاد تكمن في أمرين أساسيين:
الأول: طاقات الشباب وخبرتهم وقوتهم العملية, والثاني: رأس المال الذي يحرك مداخيل هذا الاقتصاد ويوفر الأرضية المادية لاستثمار المقوم الأول, وكلاهما يتسابقان للهجرة.. !
والمؤسف؛ نحن في بلدنا مازلنا لا نعطي الاهتمام المطلوب لاستثمار الطاقات الشابة وعقولها المبدعة, بدليل لدينا آلاف الاختراعات من صنع واختراع الفكر الشاب من دون استثمار, أو حتى التفكير بها, ولو بالحدود الدنيا من قبل أصحاب رأس المال المحلي, ما وفرّ أسباب الهجرة واستفادة المال الخارجي منها وعودتها إلينا سلعاً ومنتجات هي من إنتاج فكرنا وإبداعنا وهذه مسألة في غاية الخطورة, مازلنا أفراداً ومسؤولين لا ندرك خطورتها, أو ربما ندركها ونتجاهلها عمداً..!؟
وبمراجعة بسيطة للمشروعات الاستثمارية, وتوجه رأس المال إليها, نجد أغلبيتها تتجه نحو الربح السريع و إقامة مشروعات استهلاكية تكتسب صفة الآنية و المردود المادي السريع..!
و على الرغم من أهمية هذا الاستثمار فإنه يشكل نقطة ضعف كبيرة في تركيبة الاقتصاد من جهة, وطريقة التفكير والتعاطي لأصحاب رأس المال والقرار الاقتصادي من جهة أخرى, وهذا بدوره يثير مجموعة من التساؤلات تدور في معظمها حول طريقة التعاطي مع الاستثمار الأمثل لإبداعات عقول الشباب واختراعاتهم وخاصة لجهة توفير المقومات الأساسية والبيئة المناسبة التي تؤمن الاستغلال الجيد والأمثل لها, لكن للأسف إلى الآن لم نصل إلى الاستثمار الصحيح لهذا المكون (الطاقات أو ما يسمى بالعقول الشابة), بدليل الكم الهائل من الاختراعات التي تعرض سنوياً في معارض خاصة, و معرض الباسل للإبداع من دون أي استثمار لها..!
والأخطر ما يهرب منها واستثمارها في بلدان أخرى لتعود لنا منتوجات بأضعاف ثمنها وما نتمناه رعاية الإبداع البشري ورأس المال الوطني, وقبل الاثنين وقف نزيف الهجرة للعقول الشابة, التي تمتلك القدرة والحيوية والحالة الإبداعية والانسجام المطلق, مع رأس المال الوطني, لتحقيق قاعدة متينة نبني عليها اقتصادنا المتصدع من جراء الحرب الإرهابية والحصار الاقتصادي الغربي على بلدنا فهل ننتظر طويلاً لرؤية إنجاز كهذا..، وهل نشهد صحوة لوقف نزيف هجرة الشباب وعقولها المبدعة..!؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار