انصحْ صديقك مرتين
ألا رُبَّ من تغتشّهُ لك ناصحٌ ومؤتمَنٍ بالغيب غير أمينِ
فلا يجتلبْك القول لا فعلَ تحتهُ فكم من نصيحٍ باللسانِ خؤونِ؟!
تجاهُلُ النصيحةِ النافعة ولّادةُ الندم، فكيف بالاِستخفاف بها وازدرائها؟ وكيف (حين لات ساعةَ مندمِ)،؟ ولكن ممن تؤخذ النصيحة، وكيف ومتى يقدّمُها الناصح؟…. وما مواصفات الناصح المؤتمن؟ وفي اجتماع المصداقية والتجربة والحكمة يكون للناصح حقّ الأخذ بما يقدمه وتصديقه، يقول الأرجاني:
فما كلُّ ذي نصحٍ بمؤتيك نصحَهُ ولا كُلُّ مؤتٍ نصحَهُ بلبيبِ
ولكن إذا ما استجمعا عند واحدٍ فحُقَّ له من طاعةٍ بنصيبِ
ولعلَّ أحمد شوقي استقى بيتهُ التالي من أسيادِ أهلِ الحكمة الذين قالوا:(من وعظ أخاهُ جهراً فقد شانهُ …. ومن وعظهُ سرّاً فقد زانَهُ) يقول شوقي:
آفةُ النصح أن يكون لجاجاً وأذى النصح أن يكون جهارا
وفي ذلك يقول المعرِّي مؤكّداً على أدب النصح:
سمْعي موقّى سالمٌ فقلِ الصوابَ ولا تُصِحْ
والمرءُ في تركيبهِ غضبٌ يهيجُ ، إذا نُصِحْ
ولعلّ من طريف ما قيل في النّصح هذين البيتين للشاعر صفيّ الدين الحلي:
اِنصحْ صديقكَ مرّتين فإن عصاكَ فغُشَّهُ
لو ظنَّ صدقَكَ ما عصى وأبى وأظهرَ فُحشهُ
وفي السياق ذاته ينحى الشاعر التوزي، فيقول ساخراً:
تنخّلتُ آرائي وسقتُ نصيحتي إلى غيرِ طلْقٍ للنصيحِ ولا هشِّ
فلمّا أبى نصحي سلكْتُ سبيلَهُ وأوسعْتُهُ من قولِ زورٍ ، ومن غشِّ
ومن نصيحة ابن الوردي لولده ما يكتنزه سنا الثراء القيمي والسمو والرفعة، يقول:
قيمةُ الإنسان ما يُحسنُهُ أكثرَ الإنسانُ منهُ ، أو أقلْ
بين تبذيرٍ وبخلٍ رتبةٌ وكلا هذين إن زادَ قتلْ