.. والوفاءُ قليلُ
عندما تُذكرُ الفضائل تلقى من أهلِها أذناً وقلباً، وعلى ذلك يدرج أهلُ الشكر والوفاء في أخلاقهم فتصير وسماً تلقائيّاً، وتصبح من العوائد.. فماذا كُتب عن خصال الحمد والثناء، وموجباتها ودواعيها:
يحكي الشاعر محمد مهدي الجواهري عن العقاب والجزاء في الفظيع والجميل من الأفعال، فيقول:
وفي التاريخ أتعابٌ كثارٌ مضت هدراً، وطار بها الهواءُ
وأعمالٌ مشرِّفةٌ ذويها تولّاها فضيّعها الخفاءُ
ويرى الشاعر أبو الأسود الكناني أنّ على المرء ألّا يَحمدَ أو يذمَّ أحداً من الناس، إلّا بعد أن يكون قد خبره عن تجربةٍ موثوقةٍ معايَنة، يقول:
لا تحمدَنَّ امرءاً حتى تجرِّبَهُ ولا تذمنَّهُ من غيرِ تجريبِ
أما الشاعر الحكيم أبو العلاء المعرّي فيتطرّق إلى الثناء الذي ليس في موضعه، والذي يمكن أن ينطبق على أصحابه صفةُ المُرائين، فيعتبره هجاءً يسيئُهُ لا ثناء يبهجُهُ فلا يبتهج به إلّا لؤماء الطبع والغريزة، يقول:
إذا أثنى عليَّ المرءُ يوماً بخيرِ ليس فيَّ، فذاك هاجِ
وحقّي أن أُساءَ بما افتراهُ فلؤمٌ من غريزتيَ ابتهاجي
وعن الذين يتحدّثون كثيراً عن مآثرِهم مُعجبين بأنفسِهم ولا يني أحدُهم من الثناء على (محامده)، يكتب ابنُ الفقير الشاعر مشدّداً على أنّ أخلاقَ المرء وفعالَه وآثارَه هي ما يجبُ أن تتحدّث (على لسان الآخرين)، يقول:
فما حَسنٌ أن يمدحَ المرءُ نفسَهُ ولكنَّ أخلاقاً تُذمُ وتُمدحُ
وعلى ذات الوتر يعزفُ ابنُ الرومي مشيراً إلى المقصد عينه، يقول:
ولا مدحَ ما لم يمدحِ المرءُ نفسَهُ بأفعالِ صدقٍ لم تشُنْها الخسائسُ
ويرى الشاعر أحمد شوقي أنّ النتائج الحسنة للفعل الحسن تظهر بين الناس جليّةً:
رُبَّ مدحٍ أذاع في الناس فضلاً وأتاهم بقدوةٍ ومثالِ
وثناءٍ على الفتى عمَّ قوماً قيمةُ العقدِ حُسْنُ بعض اللآلي
ويرى ابن الخياط أنَ أكثرَهم يهوون الثناء، المبرّز منهم والمقصّر، وهذا في رأيه من طبيعة البشر بشكلٍ عام، يقول:
يهوى الثناءَ مبرّزٌ ومقصِّرٌ حُبُّ الثناءِ طبيعةُ الإنسانِ
وأختم بوفاء أبي فراس الحمْداني:
وماليَ لا أثني عليك، وطالما وفيتَ بعهدي، والوفاءُ قليلُ