بالمقلوب ..!
للذين لم يفهموا من التجار والصناعيين معاني ودلالات لقاء وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك معهم وفي عقر دارهم؛ واعتقدوا أن تكرار مثل هذه اللقاءات في السنوات الماضية ومع وزراء سابقين إرضاءً لهم، وتأكيداً لقوة أموالهم ومطالبهم في نسف قانون حماية المستهلك واستبداله بحالة الفلتان التي تعيشها الأسواق على اختلاف أنواعها ومهامها .. نقول:
لقد قرأتم الرسالة بالمقلوب؛ لأن القانون لم يكن “مكسر عصا” يوماً من الأيام؛ وإن تلكأت بعض المؤسسات في تطبيقه “لغاية في نفس يعقوب” .. وإن الجهات العامة التي ترعى مصالح الناس كافة لا يمكن أن تكون ضعيفة لدرجة استرضاء حفنة من الغشاشين والمترزقين والمستغلين .. فيكفيها هذا الإجماع الشعبي لتكون قوية بما يكفي لردع كل تاجر أو صناعي يتطاول على حقوق المستهلك وحرمانه من تناول طعام سليم صحياً واستعمال جهاز آمن جسدياً وشراء سلعة جيدة فنياً وبالسعر الذي تحدده قوائم التكلفة وهوامش الربح الرسمية.
وإن أسلوب الهجوم الشرس على قانون حماية المستهلك ومديريات التجارة الداخلية وعناصر حماية المستهلك النزيهين والذي تكرر في أكثر من لقاء سابقاً لم يعد ينطلي على أبسط الناس ولا يخرج من إطار مقولة “الهجوم أفضل وسيلة للدفاع” وكأننا في معركة أزلية يريد من ورائها بعض التجار والصناعيين فرض الأمر الواقع وتكديس الأرباح والأموال على حساب لقمة عيش وصحة ملايين المواطنين الذين أصبح أغلبهم تحت “خط الفقر” من دون شفقة ولا رأفة بحالتهم.
بالطبع لا تنتظر “حماية المستهلك” تحسن أخلاق التجار والمنتجين السيئين؛ ولا عودتهم طواعية إلى الالتزام بالقانون والمبادئ التجارية والصناعية؛ فالعقوبات الرادعة بانتظار كل مخالف؛ وقانون حماية المستهلك باقٍ على حاله حتى لو عده المخالفون “سيفاً مسلطاً على رقابهم” .. فمن يخاف من تبعات تطبيق القانون عليه أن ينظر إلى ما اقترفت يداه بحق الأطفال والكبار وأن يعدل عن المتاجرة بالمواد الغذائية الفاسدة والمهربة والمجهولة المصدر والمواد المدعومة؛ وألّا ينتجَ سلعاً مغشوشة وغير صالحة للاستهلاك البشري.. هؤلاء من يستهدفهم القانون ليحمي ملايين المستهلكين من شرِّ أعمالهم وسوء أخلاقهم واتساع دائرة طمعهم وجشعهم، أما الملتزمون بأصول العمل التجاري والصناعي فلهم رأي آخر: “تشديد العقوبات حتى لا يذهب الصالح بشِّر أعمال الطالح ..”!