الدواء الأسود
إنها لرحلة مضنية تلك التي يقضيها بعض المرضى أثناء الدوران المكوكي بين الصيدليات بحثاً عن بعض أصناف الدواء الموصوف لعلاجهم من الأطباء بالرغم من أن إنتاجها محلي.
على رأس تلك الأدوية بعض المضادات الحيوية النوعية وتلك الخاصة بنوبات الصرع وغيرها من الأصناف المطلوبة لعلاج بعض الحالات المرضية الخاصة، حيث يُلحق الصيادلة اعتذارهم من المريض بالقول: لا تتعب حالك بالبحث فلن تجد هذا الدواء في معظم الصيدليات، ومسوغهم أن الكميات شحيحة جداً وتنفد بسرعة، وإن حالف الحظ المريض ووجد الدواء لدى إحدى الصيدليات فإن أسعاره فاحشة جداً وتصل إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف السعر النظامي، والحجة أن مثل هذه الأدوية تستجر من السوق السوداء، حيث يجوب أشخاص غير مرخصين وخاصة في الأرياف لتوزيع الأصناف المطلوبة بشدة بسعر أعلى من النظامي بكثير، وعلى ما يبدو أن مصدرهم أحد المعامل التي أصبح بعضها يبيع الأدوية في السوق السوداء هرباً من التسعيرات النظامية لتحقيق أرباح طائلة.
وهناك مشكلة أخرى تبرز في مختلف الحلقات ذات العلاقة بالدواء، حيث إن عدداً من المعامل يقوم بتحميل المستودعات أدوية غير مطلوبة على أخرى مطلوبة, وكذلك تفعل المستودعات مع الصيدليات، وهذا ما يكون مسوغاً لبعض الصيادلة لزيادة سعر الأدوية المطلوبة للمرضى، حيث يتم بشكل استباقي تلافي احتمال الخسارة في الأدوية غير المطلوبة التي قد تكسد وتتراكم على الرفوف حتى انتهاء صلاحيتها وإتلافها.
في السياق لا بدّ من الإشارة لظاهرة التعدي على مهنة الصيدلة, وافتتاح صيدليات من أشخاص غير مؤهلين «متصيدلين» ممن لا همّ لهم سوى جني الأرباح غير آبهين بمدى سلامة الدواء وآثاره الجانبية واختلاطاته على صحة المرضى في حال حدث خطأ في صرفه أو كان من مصدر غير موثوق.
إزاء ما تقدم ينبغي وضع حدّ للمتاجرة بالدواء في السوق السوداء وعدم بيعه من المعامل إلا للمستودعات المرخصة ومن هذه الأخيرة للصيدليات المرخصة حصراً، مع ضرورة إلغاء ظاهرة التحميل والسلل، وتأمين الأدوية الشحيحة والمفقودة بالكميات الكافية من المعامل على أن يترافق ذلك برقابة شديدة على الأدوية وخاصة المهرب منها، وإغلاق الصيدليات غير المرخصة، آملين أن تتعزز ثقافة الشكوى لدى ملاحظة المواطنين أي مخالفات من أجل قمعها، مثل احتكار الأدوية أو بيعها بسعر زائد أو حيازة ما هو منتهي الصلاحية منها.