مع ذوي البصائر
لا تقلل من أهمية كائن مهما بدا في نظرك صغير الشأن، ثمة ثقبٌ صغيرٌ مضيء فليكن ضالّتك، اقترب من جداره وانظر ماذا خطّ الحكيم البصير أبو العلاء على ضوئه:
والنجمُ تستصغرُ الأبصارُ صورتَهُ
والذنبُ للطرْفِ لا للنجمِ في الصِّغَرِ
هي رحلةٌ في عالم قيم الخير والجمال مع ثلّةٍ من المجرِّبين ذوي البصيرة النافذة، عصارةً لخلاصة تجاربهم في الحياة، ومن كل وادٍ نتلمس شذا زهرة: بين الثناء والوفاء يطيب لأبي فراس الحمداني الشاعر الحكيم ذي الوفاء وجميل الثناء أن يعقد رباطاً رآه صعب الفصام ونحن نرى ما يراه الشاعر الفارسُ ذو الحكمة والبصيرة والأناة:
ومالي لا أثني عليك وطالما
وفيتَ بعهدي، والوفاءُ قليلُ
وأوعدْتني حتى إذا ما ملكْتني
صفحتَ وصفحُ المالكين جميلُ
وعلّة التعارف أو التناكر، تقضي الاختلاف أو التآلف، ولأبي نواس الحسن بن هاني من عمق التجربة وصدقها ما يحدونا على الأخذ برؤاه :
إنَّ القلوبَ لأجنادٌ مجنّدةٌ
لله في الأرض بالأهواء تختلفُ
فما تعارف منها فهو مؤتلفُ
وما تناكرَ منها فهو مختلفُ
وننتقل إلى شِعب المتنبي فنحارُ إلى أيّ أزاهيره تكون وجهتنا، فنحزم أمرنا بعد أن عزمنا، ونقرأ عن أهل العزم:
على قدر أهلِ العزم تأتي العزائمُ
وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
وتعظمُ في عين الصغير صغارُها
وتصغرُ في عين العظيمِ العظائمُ
ونتابع – على أحسن الظن – ولكن بما يشوبه الحذر، وحُسن الظنِّ له شروطهُ، ولكنَّ سوء الظن يضيّع الأماكن والأصدقاء، فما تظننَّ أن يكون في بستان القروي:
ما زلت ترجمهُ بظنٍّ سيىء
حتى أضعت صديقك المختارا
وعُرى الوداد إذا أحسّتْ ريبةً
تحت القميص تفارقُ الأزرارا
والوردُ للشمِّ لا للأكل خُلِق، فلا بأس من تناول فاكهةٍ ما من هذه البراري البكر حتى ولو كانت على غصنٍ صعبَ المنال، فلابدَّ من التقوّت ولو ببعض ما يسدُّ الرمق، فهلمَّ نجلس القرفصاء، أو نتخذ هذا المقعد الحجري المغطّى بفيء البرقوق مستراحاً إلى حين، ألم يقل أهلُ الحكمة:
حقيقٌ بالتواضع من يموتُ
ويكفي المرءَ من دنياهُ قوتُ
فيا هذا سترحلُ عن قريبٍ
إلى قومٍ كلامُهُمُ سكوتُ