ما كلُّ شائمِ بارقٍ يُسقاه
يقول شاعر حكيم:
وإذا طلبْتَ إلى كريمٍ حاجةً فلقاؤُهُ يكفيك، والتسليمُ
أما الشاعر صفي الدين الحلي فيحدد نوع الحاجة، ويراها تنقضي لكلِّ ثريٍّ ذي مالٍ وغنى، ويرى أنَّ المال يحلُّ المعضل من المشكلات ويفكّ الأزمات، ولعلَّ الشاعر يشير ساخراً إلى العلاقات المادية التي كانت سائدةً في حينه:
لن يقضيَ الحاجاتِ إلّا درهمٌ عزَّ الغنيَّ، ودرهمٌ لمؤمِّلِ
يُدني لك الغرضَ البعيدَ لسحرِهِ ويحلُّ عقدةَ كُلِّ أمرٍ مُشْكِلِ
ولعلّ أهل الأدب أحاطوا أو كادوا أن يحيطوا بشؤون وشجون الحياة إحاطةً تامة… فماذا عن العوز والحاجة، وكيف السبيل إلى حُسن التدبّر إزاءهما؟
يرى أبو العلاء المعرّي الحاجة بأبعادها الفلسفية ومعانيها الواسعة العامة، فيشير إليها بصيغة الجمع (الحاجات)، ليدلَّ على كثرة ما يحتاجه المرءُ، أو ليجعل المسألة تشمل الحاجات المادية والمعنوية، يقول:
لا يدركُ الحاجاتِ إلّا نافذٌ إنْ عجزَتْ قلاصُهُ، لم يعجزِ
ويدعو أسامة بنُ المنقذ إلى الابتسام وتبيان البشاشة والبِشر في وجهِ صاحبِ الحاجة، لأنَّ ذلك السلوك الراقي النبيل يسدُّ مسدَّ الحاجة إن لم يكن أبقى منها، مشيراً إلى أنَّ الأيام وتقلّباتها لا تدَع أحداً يدوم على حال:
تلقَّ ذوي الحاجات بالبِشْر إنَّهُ
إلى كرماء الناس أشهى من الجدا
عسى من يرجّي سبيَكَ اليوم يغتني
فتصبحَ ممن ترتجي سبيهُ غدا
ويرى البحتري أن من الحكمة التخفيفَ من الأحزان والشجون، وعدم التفكير في ضالّةٍ بعُدَ شأْوُها، واستحال، لئلا يحمّلَ المرءُ نفسَهُ فوق ما تحتمل، داعياً إلى عدم الجري وراء المستحيلات، والتأثر بمؤثراتها وحمل همومها، يقول:
خفِّفْ أسىً عمّا نآكَ طِلابُهُ ما كلُّ شائمِ بارقٍ يُسقاهُ
وفي دعوةٍ نبيلة من دعبل الخزاعي يؤكد على ضرورة تفريج الأصدقاء همومَ بعضهِم بقضاءِ حوائجِهم حسب الممكن والمستطاع، وليتمثّل كلُّ واحدٍ شعورَ المرء في يومٍ قضى فيه حوائجَهُ، فيرى كيف يكون سعيداً هانئ البال شاكراً، فما أروع وأجمل أن يُكسِبَ هذا الشعور أخاه وصديقه:
إقضِ الحوائجَ ما استطعتَ وكُنْ لِهمِّ أخيك فارجْ
فَلَخيرُ أيامِ الفتى يومٌ قضى فيهِ الحوائجْ