تطورات المشهد السياسي والعسكري المتسارعة في أفغانستان، تعكس في حقيقتها ما هو أبعد مما هو ملاحظ .
تقلبات يمكن قراءتها بتروٍ على أنها بمثابة الصورة المعلنة لحال أشدّ وأدهى من الارتباك والتخبط والفوضى، إنها قصة فشل أمريكي معلن، انتهت إلى “مسرحية الخروج” من ورطة أفغانستان.
كل من يحاول ترويج أو تسويق أي فكرة لا تقول بالفشل الأمريكي يجانب الصواب، فالمؤشرات على الأرض تدل على ذلك، وهذا ليس تحليلاً أو افتراضاً، مع الأخذ بالاعتبار بالطبع وجود نيات أمريكية مبيتة لإرباك دول الجوار، وهذه الأخيرة تدرك ذلك، وتحسبت له جيداً، بل أكثر من ذلك، تملك بعض الدول المستهدفة مخططات للسيناريوهات القادمة وإن فاجأتها سرعة الانسحاب الأمريكي وتدهور الأوضاع في أفغانستان على هذا النحو.
لندع السياسة جانباً، ونتحدث بلغة مراكز الدراسات والأبحاث العالمية في موضوع المخدرات وحده، فقد ذكر تقرير لمكتب الجرائم والمخدرات التابع للأمم المتحدة (UNODC)، في 5 تشرين الأول الفائت، بأن إنتاج الأفيون، الذي يستخدم في صناعة مادة الهيروين المخدرة، قد سجل ارتفاعاً سنوياً “قياسياً”، وذلك منذ أن بدأ المكتب بإصدار تقاريره السنوية عام 1994.
هنا يمكن القول إن القوات الأمريكية، بصرف النظر عن هوية الجالس في البيت الأبيض، إن كان ديمقراطياً أم جمهورياً، تضاف إليه حفنة من أمراء الحرب الأفغان، كانوا وما زالوا أعضاء أصيلين مؤسسين، أو وافدين ومنتسبين، في مؤسسة استثمارية جهادية إرهابية تعنى بالإرهاب والسلاح والمخدرات..
ليس هذا فحسب بل ثمة فشل أمني لا أحد يستطيع إنكاره فقد انقضت ولايتا بوش من دون القضاء على القاعدة أو طالبان، وجاء باراك أوباما بوعود سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد تحقيق إنجاز ما، ومضت سنواته الرئاسية من دون تحقيق الحد الأدنى من وعوده، والحال نفسه مع دونالد ترامب الذي بدأ بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان في شباط 2020، لكن الاتفاق المبرم بين ترامب وحركة طالبان لم يشمل الحكومة الأفغانية.
وجاء بايدن وأقر سريعاً بأن أهداف الولايات المتحدة في أفغانستان أصبحت “غامضة على نحو متزايد” وحدد مهلة لسحب جميع القوات الأمريكية المتبقية في أفغانستان .
باختصار الانسحاب الأمريكي بهذه الطريقة يمثل فشلاً أولاً وأخيراً، فقد كان جل الاهتمام الأمريكي هو الإشراف المباشر على زراعة وتجارة المخدرات وجعل أفغانستان مركزاً لتأهيل وتدريب الإرهابيين برعاية “السي أي ايه” بمعنى ما كان هناك شبكة مصالح اقتصادية ومالية واسعة النطاق.
وللعلم فإنه ومنذ عام 1988 كشفت مجلة The Nation الأمريكية النقاب عن حقيقة تغاضي المخابرات المركزية الأمريكية عن عمليات تهريب المخدرات في الشاحنات الأمريكية التي كانت تنقل السلاح والمؤن كما هو الحال اليوم مع ممارسات وسلوكيات قوات الاحتلال الأمريكي في المناطق المحتلة في سورية حيث ثمة سياسة موحدة للاحتلال وهي رعاية الإرهاب والسرقة والتخريب والفوضى، هذا ما تعمل عليه قوات الاحتلال الأمريكي في كل المناطق التي تحتلها.. والحقائق ماثلة على الأرض.