وعند جهينة الخبر اليقين
حفل الأسبوعان الماضيان بمجموعة من الأحداث السياسية، التي وإن بدت منفصلة، إلا أن رابطاً يصل بينها جميعاً.
هذا الرابط يصل ما بين الدول المُستهدَفة التي يمثلها محور المقاومة، ودول العدوان التي تمثلها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وحلفاؤهما.
لم تكن الاعتداءات على السفن الإيرانية معزولة عن محادثات فيينا، حيث أبدت إيران تشدداً واضحاً في موقفها تجاه شروط العودة إلى الاتفاق النووي، هذا الموقف الذي تعزز بفوز السيد إبراهيم رئيسي بمنصب رئيس الجمهورية.
في ظل هذا التشدد الإيراني، دأبت الدوائر السياسية والإعلامية على اتهام إيران، أو جماعات متحالفة معها، باستهداف السفن الصهيونية وآخرها حادثة السفينة البريطانية زودياك في بحر عمان.
جاء النفي الإيراني مشفوعاً بتأكيد حرصها على أمن الملاحة في الخليج، ما قالته إيران فعلاً أنه لا يوجد أمن للملاحة في الخليج في حال استمرار الاعتداءات الغربية على سفنها.
لم يتوقع أحد أن يبتلع حلف العدوان للموقف الإيراني ما حدث من دون رد، وهذا ما حدث فعلاً. أوعز المحتل الأميركي لعصاباته في جنوب وشرق سورية للبدء بالتحرك ضد الدولة السورية، وقام بنقل مجموعة من إرهابيي “داعش” من سجون تنظيم ميليشيات “قسد” الإرهابي إلى قواعده في الحسكة. الهدف غير المعلن كان إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 2018، أما الهدف الممكن فكان ممارسة المزيد من الضغوط على الدولة السورية، ومنعها من ترجمة نجاح الانتخابات الرئاسية إلى وقائع على الأرض.
جاء الرد السوري صاعقاً، وتجاوز تقديرات حلف العدوان وأدواته. تحرك الجيش العربي السوري باتجاه الجنوب، مسلحاً بقرار القيادة السياسية بإنهاء ظاهرة العصابات الإرهابية في الجنوب، واستعادة سيطرة الدولة على جميع المدن والقرى في المحافظة.
هب العدو الصهيوني لنجدة أعوانه، وشنت طائراته سلسلة من الاعتداءات على الأراضي السورية أيام 19، 22، 25 تموز، تصدت لها وسائط الدفاع الجوي السورية وأسقطتها جميعاً باستخدام نظام بوك- إم 2 إيه الروسي، مُحيدة الدور الصهيوني في المعركة.
هرعت العصابات المسلحة بحثاً عن الوساطات لإيقاف العملية العسكرية، لكن الجيش العربي السوري رغم قبوله بتعليق العملية بشكل مؤقت إلا أنه أكد أن الهدف النهائي للوساطات لا بد وأن ينسجم مع هدفه النهائي بإنهاء الفلتان الأمني في المحافظة وإعادتها إلى سلطة الدولة السورية بشكل كامل.
أمام هذا التصميم، انتقل محور العدوان إلى الساحة اللبنانية، معتقداً أنها الحلقة الأضعف في محور المقاومة بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة، وكان يأمل من هذا الانتقال تحقيق نصر ما ولو كان معنوياً.
في هذا السياق جاء العدوان الصهيوني على أراضٍ فارغة في الجنوب اللبناني، وهو العدوان الذي اتضح لاحقاً أن هدفه كان تغيير قواعد الاشتباك التي أرستها نتائج حرب تموز 2006، تمهيداً لعمليات أكبر في المستقبل.
نزل رد المقاومة (القصف بالقصف وبيان حزب الله بتبني العملية) كالصاعقة على رؤوس الدوائر الأمنية والعسكرية والسياسية الصهيونية، والتي سارعت جميعاً لتأكيد عدم رغبتها، أو نيتها، بالتصعيد على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة.
لقد جاء تسلسل الأحداث ليثبت أن قرارات محور المقاومة تصدر عن قيادة موحدة، تدرك تماماً وبدقة شروط المواجهة السياسية والعسكرية.
كما أثبت أن محور المقاومة ماضٍ في تعزيز قدرته الميدانية، وتوسيع جبهة المواجهة مع العدو الصهيوني لتشمل كامل الحدود الشمالية لفلسطين وحدود مرتفعات الجولان المحتلة. وأن هذه التطورات تشكل خطوة أخرى على طريق الوعد الصادق الذي قطعه محور المقاومة على نفسه، وجاء على لسان السيد الرئيس بشار الأسد بتحرير كامل التراب السوري بما فيه الجولان المحتل.
جاء خطاب سماحة السيد حسن نصر الله ليقطع الشك باليقين. فالخطاب في مجمله حمل رسالتين؛ داخلية وخارجية.
الرسالة الداخلية كانت موجهة لمن سماهم السيد نصر الله (وللمرة الأولى) أعداء الداخل، وأكد فيها أن جميع المحاولات لجر المقاومة إلى فتنة داخلية لن تنجح، وأن المقاومة قادرة على ضبط نفسها وجمهورها إلى أبعد حد، من دون أن يعني ذلك التغاضي عمّا حدث ويحدث، لكنها ستمنح الدولة اللبنانية كل الإمكانات التي تساعدها على القيام بدورها في هذا المجال.
خارجياً؛ أعاد السيد نصر الله تأكيد موقف الحزب من قواعد الاشتباك، وأن المقاومة جاهزة للرد على العدوان بالقوة المناسبة والضرورية، وأن خطاب قيادة المحور منسجم بقراراته فيما يخص المواجهة مع العدو، وأن الاعتداء على أي طرف من محور المقاومة سيلقى الرد من جميع الأطراف حسب الظرف السياسي والعسكري.
كانت حرباً تستحق أن نخوضها، وتضحيات لا بد من تقديمها، رغم ما سببته من ألم. فما يحدث اليوم ليس إعادة رسم لخرائط الجغرافيا فحسب، ولكنه إعادة اعتبار لمشروع التحرر الوطني العربي في العقل السياسي العربي، الرسمي والشعبي، ونقله من خانة الآمال إلى واقع نعيشه على الأرض.
كاتب من الأردن