ويسأمك الأدنى
يسقط أبو العتاهية الحالة حين الملل على شيءٍ شهيٍّ تتناوله «فاكهة أو ما شابه»، فيجعلها نظير شخصٍ ملازمك فيقرّبك من فهمها في موجبات السأم أكثر، يقول:
من استطرف الشيءَ استلذَّ غرافَهُ
ومن ملَّ شيئاً كان فيهِ لهُ مجُّ
ومن الطبيعي أن يشعرَ المرء بين حين وآخر بالملل، فالملل شعورٌ لا بُدَ أن ينتاب كُلَّ إنسان، وهو حالةٌ عارضة, ولكنها لا تملُّ تكرار الزيارة، والإنسان الذي لا يملّ في وقتٍ ما ولا يشعر بالسأم في حالةٍ ما هو الخارج عن المألوف ومخالف للمعتاد والطبيعي في الحياة اليومية، ومن أسباب ودواعي السأم أن يقبل أحدُهم بأن يكون عبئاً دائماً على غيره ولا يجد في ذلك حرجاً، يقول الشاعر سليم الكلبي:
ومن لم يزلْ عبئاً يُمَلُّ مكانُهُ
وإن كان ذا رحمٍ قريبِ المناسِبِ
وفي موضعٍ آخر يؤكد أنَّ الأقربَ إليك قد يشعر بالسأم إذا أنت داومت على إلقاء تبعات أعبائك على كاهله:
ويسأمُك الأدنى – وإن كان مكثراً –
إذا لم تزلْ عبئاً عليه ثقيلا
ويشكّل علي بن محمد البسامي معادلة ذلك في كِلا طرفيها الناشئَينِ من التفاعل والناتجَين عنه، فيراها في المُداراة درءاً للملل والسأم، وفي جلباب الكرم مجلبةً لمحبة الناس، يقول:
دارِ من الناسِ ملالاتِهِمْ من لم يدارِ الناسَ ملُّوهُ
ومُكرِمُ الناس حبيبٌ لهم من أكرمَ الناسَ أحَبُّوهُ
وهاهو مسلم بن الوليد يضع نفسَهُ موضع المُلام, وذاك اعترافٌ مثوبٌ فيرى أنّ إكثارَهُ على صديقه في الزيارة جعلهُ يملُّه، وهذا ما لحظه بعينيه، والعينان تنبئان بمكنون الفؤاد، يقول:
إني كثرتُ عليهِ في زيارتهِ
والشيءُ مملولٌ إذا كثُرا
قد رابني منه أني لا أزالُ أرى
في عينهِ قِصَراً عني إذا نظرا
ولأسامةَ بنُ المنقذ أبياتٌ في ذلك، لعلّها تعزف على وترٍ آخر، فهي تنصحُ أن يهجرَ المرءُ من يسأمُ وصالَه، ولعلَّ هذا يوضعُ في منحى الذي يكون في الأصل غيرَ راغبٍ بالتواصل، وليس بسبب كثرة التزاور، يقول:
لن يرجعَ الفخّارُ بعـْ ـدَ تلافِهِ بالكسر طينا