بإمكانه أن يقول..!
يستغرب الشاعر والمُترجم السوري عابد إسماعيل – وربما يستغرب معه الكثيرون-؛ كيف تُمنح جائزة نوبل للآداب، لفنّ إبداعي ليس عربياً من حيث المبدأ، أو المنشأ، ويقصد بذلك فن الرواية، وقد نالها نجيب محفوظ قبل أكثر من ثلاثين عاماً، ثم أُوصد البابُ من خلفه.. مع إنّه ليس لدى العرب ما يتباهون به اليوم أمام الشعوب الأخرى سوى الشعر، لكن «نوبل» ترفض أن تعترف بهذا، مع إنّ أدونيس، كما نعلم، هو مرشح دائم للجائزة.
والحقيقة اليوم؛ إذا ما خطر على بال أي مُتابع، أن يتذكر المبدعين في الساحة الثقافية؛ فلن يتذكر إلّا الشعراء، وهم الوحيدون الذين شكّلوا «أقطاباً» إبداعية على مدى الزمن العربي منذ ما قبل الإسلام إلى اليوم، فليس لدينا اليوم مبدع بحجم أدونيس، أو نزار قباني على سبيل المثال في الرواية، أو الفنون البصرية الأخرى من تشكيل وسينما ومسرح، ببساطة لأن الشعر؛ هو الفن الأصيل الوحيد من نتاج المخيلة العربية، أما غيره من صنوف الإبداع، فكان دائماً ثمة أممٌ سبقتنا إليه، وصدّرته إلينا، أو نحن من استورده بملء إرادتنا.
لكن، وبرغم كل هذه القدامة، والحضور للقصيدة العربية؛ فثمة من قالها صراحةً؛ ماذا بإمكان الشعر أن يقول، وقد أصبحت معانيه مكرورة ومبتذلة، ومن ثم قد وصلنا إلى تقليدية جديدة، غير أنّ الحقيقة الأكيدة أنّه لا يزال أمام الشعر الكثير من البياض ليسفح حبر قصائده على مداه، وفي آفاقه، ولو أنّ القصيدة الجديدة وصلت إلى تقليدية ما، فإنّ ذلك يعني أنها استطاعت أن تؤسس قوانينها وتبني مرجعياتها الخاصة، وهذا ما لم تستطع القصيدة المعاصرة أن تصل إليه.. ذلك أنها تمتلك من البراغماتية التي تبدو شبه ملازمة, وخاصية للقصيدة العربية – وهل برع العرب بنوع إبداعي كما برعوا في الشعر؟!- الأمر الذي جعلها تتجاوز في كل مرة البرك الراكدة، حتى ولو بقذف حصى صغيرة لتُشكلّ دوائر جديدة، ومن ثم لتزيد في اتساعها بعد كلِّ نكوص، أو تقوم بدفعها أشواطاً إلى الأمام عند كلّ ركود، ومن هنا، يُمكن تفسير كل تلك الانعطافات الكثيرة في مسيرة القصيدة في العالم العربي، وذلك منذ مئتي سنة قبل الإسلام وحتى اليوم، مرةً تأتي الانعطافة الشعرية أقرب إلى التطور في شكل القصيدة وبنيتها، ومرةً تأتي حادة حتى لتبدو مغايرة ومُفارقة لما قبلها من قصائد.
وإذا ما ذهبنا أكثر صوب الأرض السورية القديمة؛ فسنحصل على مدرسة عظيمة في الشعر السوري، ولاسيما في عصور سورية الهلنستية، التي تؤكد أن زمن الشعر؛ هو كل الأزمنة، ولا يغرنك التغني بسيادة إبداعات أدبية وحتى بصرية أخرى، ذلك أن كل تلك الإبداعات أدبية أو بصرية فنية، تتألق دوماً كلما قاربت القصيدة، وكلما أفعمت بالشعر أكثر فأكثر.
وما يؤكد ما سبق؛ أنّ القصيدة اليوم لا تزال في مرحلة التخبط بالنسبة لغير الموهوبين، وفي مرحلة التجريب دائماً بالنسبة للشعراء الحقيقيين, على الرغم من أنّ بعض الشعراء في الزمن المعاصر؛ كانوا توصلوا إلى منجزٍ بدأ يتكرر في نتاجات بعضهم، فيما نجد شعراء آخرين لايزالون يتجددون من قصيدة إلى أخرى، ذلك أن قصيدة النثر ليست نمطاً بقدر ماهي مفهوم للكتابة.