منذ عقود مضت ونحن نعيش حالة التدخل الإيجابي للدولة في معيشة المواطن وتوفير بعض مقوماتها ولاسيما من المواد التموينية الأكثر استهلاكاً وحاجة للحياة اليومية, لكنها بجبهات مختلفة, ومؤسسات متعددة فكانت شركة التجزئة, والخضار والفواكه, ومؤسسات الخزن والتبريد والاستهلاكية, وسندس, والاجتماعية العسكرية, إلى جانبها قطاع التعاون الاستهلاكي, وجميعها يسعى لتأمين أساسيات المعيشة اليومية, وهذه مجتمعة لم تستطع تأمين أكثر من 10% من الحاجة ..!!
لكن كل ذلك تبخر بفعل التطور من جهة, وتغيير السلوك البشري وعقليته, والأهم الظروف الاقتصادية والاستهلاكية من جهة أخرى, إلى أن وصل الأمر إلى مؤسسة واحدة تعمل ضمن ظروف أقل ما نسميها صعبة لا تستطيع مجاراة ما هو مطلوب ..!
وبالعودة إلى العصر الذهبي للتدخل الإيجابي على امتداد تلك العقود فلا أحد يستطيع نكرانه برغم محدودية التأثير قياساً بحجم السوق والحاجة, والأزمات التي مرت بها بلدنا هي أكبر الشواهد لدور هذا التدخل في حماية المواطن .
ولعل أزمة ثمانينيات القرن الماضي أقوى الأدلة, وإن اختلفت أدواتها بعض الشيء في سنوات الحرب الإرهابية المدمرة التي تستهدف الدولة بكل مكوناتها ومقومات وجودها ..!
لكن صورة التدخل اليوم لا تحمل تلك الصورة الإيجابية التي توضحها معالم كل أسرة, أو حتى ما هو مطلوب من هذا التدخل الذي اقتصر على تأمين مادة أو اثنتين على الأكثر, بدلاً من مئات السلع التي كانت تتغنى بها المؤسسات السابقة وتحقق هويتها وتفرض أدواتها على السوق, برغم ضعف الإمكانات مقابل مكونات القطاع الخاص الكبيرة الذي يبسط أجنحته على أسواقنا المحلية ..!؟
وخطورة اليوم تكمن في حجم التراجع لهذا التدخل, أمام القطاع الخاص الذي يستغل حاجة الدولة ومواطنها لاستقرار الحاجات المعيشية, وتأمينها بصورة تؤمن الاستقرار المطلوب .
وهذه مشكلة حلها لا يحتاج لكثير من التفكير فعودة المؤسسات السابقة إلى عهدها ( الاستهلاكية – سندس – الخزن ) تكفل حالة من التدخل الإيجابي واستقراراً كبيراً في الأسواق , وتأمين حالة من الرضا للمواطن, لأن وجود الدولة بمؤسساتها هو صمام الأمان له, وتحقيق ذلك ليس بالأمر الصعب لأن معظم مقوماتها من بنى تحتية وخدمية متوافرة إلى حد ما, تستطيع من خلاله الانطلاق من جديد, فهل تفعلها الجهات المعنية في ظل الحاجة لتعدد أذرعتها لتحقيق الفائدة من تدخلها الإيجابي في ظل ظروف هي الأصعب منذ عقود ..!؟