بعدما أنهى طبيب الأسنان الجزء الأول من (الورشة) التي افتتحها لأسناني، والتي بدأت بالقلع والحفر والقياس والتجريب، ومن ثم التركيب؛ خرجت من العيادة وأنا امتلك الرغبة والمقدرة على أكل كل الخيار والعجور والمقتي (القثاء) التي ستقع عليه عيناي، لأن هذه الخضار لها طعم خاص يرافقني منذ أيام الطفولة عندما كنا نغافل الفلاحين، ونقوم بسرقة العجور وغيره.. ومع الامتناع القسري عن تناولها ازدادت شهيتي لها، وبدأت فعلا (بقرطها) وأنا استمتع بصوت جرشها.. أقضمها بتلذذ لا يضاهيه سوى رائحة الخبز، هذه الرائحة التي رافقتني أيضاً من تنور أمي إلى فرن الرمل الحكومي في طرطوس الذي أقيم بجواره منذ عامين تقريباً، ورغم أن هدير المولدة مزعج إلى درجة النفور من المكان، إلا أن رائحة الخبز المنتشرة في محيط المخبز تغطي على كل الازعاجات التي يسببها ضجيج الآلات.
عندما أخبرني الطبيب أن أكل الخبز قد يسبب بعض الوجع (على البدلة الجديدة) لم أكترث كثيراً.. سوف أعود إلى أكل الخبز بطريقة (الالتهام) مهما حصل.. المهم عدت إلى أكل الخبز لأفاجأ بأنه من اللازم (توطين) بطاقتي لدى أي معتمد لبيع الخبز.. لم يكن هناك خيار آخر، رغم المقت والكره لهذه الكلمة، قمت بتوطينها لدى معتمد والأمر لله..
أيضاً لم أهنأ مرة أخرى بطعم الخبز بعدما طلع علينا جهابذة حماية المستهلك والمخابز، بأن حصة الفرد الواحد في اليوم رغيفان وثلث بالتمام والكمال.. ماذا سأفعل وأنا آكل البرغل بالخبز، والرز بالخبز، والخبز بالخبز.. ؟!
هل أسطو على مخصصات أولادي وزوجتي حتى أهنأ بطعم الخبز، وأن أطرد كل من يأتي إلى بيتي حتى لا يطلب رغيفاً.. لقد فقد الجميع الحيلة، ولأن نقص الخبز أصعب بكثير من وجع الأسنان، لم يبقَ إلا إحالة حماية المستهلك والمخابز إلى الله بعدما صموا آذانهم عن أي اقتراح ..؟!