علامة الميل..
مصطلح إنكليزي شائع يستخدم لوصف حدث بارز يؤثر بشكل كبير وإيجابي في مسار الأحداث. تُرجم المصطلح إلى اللغة العربية بكلمة “منعطف” التي يمكن أن توظف سلباً وإيجاباً.
يعتقد الآثاريون أن الفكرة الأصلية تعود إلى الإمبراطورية الرومانية حيث كان يوضع حجر على طرق السفر الطويلة يحدد المسافة المقطوعة أو المتبقية من الرحلة.
واستخدمت علامة الميل للدلالة على عظمة المدن والدول، فاشتهرت علامة الميل الذهبية التي كانت تتوسط مدينة روما باعتبارها مركز العالم ونقطة الانطلاق لقياس المسافات.
سارت الإمبراطورية البيزنطية على خطا الرومان وانتصب حجر “الميلون” وسط عاصمتها القسطنطينية بصفتها مركز العالم في العصر الوسيط.
أما التاريخ العربي فيظهر أقدم علامة ميل في ناحية “فيق” في الجولان السوري المحتل وتعود إلى زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وتحدد المسافة من دمشق بـ53 فرسخاً.
في تاريخ بلادنا الحديث حاول المستعمر إقناعنا بأن الكثير من الأحداث تشكل علامة الميل (بالمعنى الإيجابي) في سعي شعوبنا نحو الحرية والديمقراطية.
أحداث مثل غزو العراق وتدميره عام 2003، إلى اندلاع “الربيع العربي” بعد أن قرر المواطن التونسي محمد البوعزيزي حرق نفسه.
وأسبغت على هذه الأحداث صفة العفوية، وأن أسبابها ذاتية في بُنى الدول والأنظمة الحاكمة التي جُمعت في بوتقة “الفساد والديكتاتورية”.
من المؤسف أن الكثيرين وقعوا بالفخ وصدقوا الكذبة الاستعمارية، وخرجوا إلى شوارع مدنهم يعيثون فيها خراباً وتدميراً.
احتاج الأمر لفترة من الوقت قبل أن نبدأ بإدراك خيوط المؤامرة التي حيكت خلف الأبواب المغلقة لأجهزة المخابرات المعادية.
أول علامة ميل كانت تقرير لجنة المراقبين العرب، التي عينتها الجامعة العربية، عام 2011 برئاسة الفريق محمد الدابي، لتقييم الأحداث في سورية، وجاء فيه ما لم يرضِ حلف المؤامرة، فدفعوا الرجل للاستقالة بعد أن اتهموه “بالتواطؤ” مع الدولة السورية.
لم يكن من الممكن التصدي للمؤامرة من دون قيام الجيش العربي السوري بدوره في استيعاب الهجمة الاستعمارية وأدواتها، والانتقال إلى مرحلة الهجوم، فكانت معركة القصير 2013 علامة الميل في المعركة، إذ استعاد الجيش وحلفاؤه زمام المبادرة، وبدأت جحافل الإرهاب بالاندحار.
مرت سنتان من الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري إلى أن أعلنت روسيا مشاركتها الجيش العربي السوري في التصدي للإرهاب ومشغليه، ولتكون تلك المشاركة علامة ميل جديدة في سير المعركة.
بشكل مواز للانتصارات العسكرية في الميدان، كانت السياسة السورية تحقق انتصاراتها في المعركة السياسية.. وضعت الجهود السياسية والدبلوماسية علامات ميل كثيرة على الطريق. من فرض الأجندة الرسمية السورية القائمة على وحدة البلاد، ومكافحة الإرهاب، وفرضها كذلك في المؤتمرات الدولية التي كانت تسعى لوضع المزيد من الضغوط على دمشق، إلى التمسك بالثوابت الوطنية ورفض التدخلات الخارجية بكل أشكالها، وأهمها محاولة إملاء دستور تقسيمي على البلاد، وصولا إلى الانتخابات الرئاسية عام 2014.
في العام 2014 كانت الأوهام تداعب عقول الدوائر الاستعمارية وعملاءها وأدواتها، إلى درجة هددوا معها بتفجير المقار الانتخابية وقتل الناخبين.
حشد الإعلام المعادي قواته في حملة تحرض المواطنين على عدم المشاركة، وقامت العديد من الدول التي تتغنى بديمقراطيتها بمنع المواطنين السوريين من المشاركة.
جاءت الصاعقة من خارج سورية، فطوابير المواطنين السوريين المتوجهين إلى سفارات بلادهم أغلقت الشوارع وغصت بها القاعات، لتكون صفعة على وجه من خطط وحاول إظهار الدولة السورية بصورة الدولة الفاشلة.
ما بين عامي 2014 و2021 جرت تحت الجسر مياه كثيرة. بعد أن تيقن حلف العدوان من حتمية الخسارة في الميدان، تفتق ذهن مراكز الدراسات وأجهزة المخابرات عن نظرية تقول بأن الحروب تزيد من تماسك الشعوب والتفافها حول قيادتها وجيشها، وأن الحل يكمن في الاقتصاد. في الأزمات الاقتصادية -حسب نظريتهم- تميل الشعوب نحو التفكك والبحث عن الخلاص الفردي ويمكن أن تصل حد التمرد.
انتقل العدوان إلى الحصار الاقتصادي بواسطة “قانون قيصر”، وتلاعبت أيدٍ خفية بسعر صرف الليرة السورية، وأدى ارتفاع تكاليف الشحن وتوقف الحركة التجارية العالمية إلى مفاقمة آثار الحصار.
من جهتها عملت الآلة الإعلامية الاستعمارية وتوابعها على تضخيم حجم الأزمة، بل اختلاق الأزمات من خلال نشر الشائعات.
للحظة عادت الأوهام لتداعب عقول أطراف حلف العدوان، وتهيأ لهم أن شكوى السوريين من سوء الحالة الاقتصادية تعني انفضاضهم من حول دولتهم وخياراتها.
جاءت انتخابات 2021 لتكون علامة الميل الجديدة على طريق الانتصار، فالمشاركة والأداء الشعبي تفوق على ما حدث في العام 2014. لم تكن تلك الانتخابات استفتاء على مرشح للرئاسة، ولكن على السياسة التي انتهجتها الدولة السورية على مدى سنوات الأزمة. لم يتوانَ السوريون عن الخروج يوم 26 أيار ليقولوا أنهم مع وطنهم ودولتهم، وليرسلوا رسالة قاطعة لكل من يسقط في بئر الأوهام بأن سورية عصية على أوهامه.
من على منبر مجلس الشعب سوف يلقي سيادة الرئيس بشار الأسد خطاب القسم، ليكون علامة الميل الذهبية التي تقول أن دمشق، كما وصفها الزعيم عبد الناصر، قلب العروبة النابض، وأنها “الميلون” الذي ينتصب داخل عاصمة العروبة، ليكون نقطة القياس التي يقاس بها كل ما هو عروبي ووطني.
كاتب من الأردن