الفلاح .. الغائب الحاضر!
مهما كثرت المؤتمرات والاجتماعات وتعددت اللقاءات والجولات بشأن تطوير القطاع الزراعي يبقى الفلاح أهم من كل ما يتمخض عنها من مقترحات وتوصيات ومشاهدات، لأن بيده مفتاح الحل، ومن لسانه نسمع أدق التفاصيل الصعبة التي تعرقل كل الجهود الحكومية السابقة والحالية والمستقبلية لدعم هذا القطاع وتوفير مستلزمات إنتاجيته النباتية والحيوانية.
لم يخفِ الفلاح على مدى سنوات بل عقود مضت معوقات عمله، فقد صرح بها مراراً وتكراراً عبر اتحاده ومن يمثله تحت قبة مجلس الشعب، وكررها مرات ومرات عند كل زيارة لوزير زراعة أو وفد حكومي لمناطق عمله .. وقبل زراعة كل محصول وبعد عملية جنيه وتسويقه أو تسليمه لمؤسسات الدولة على اختلاف تسمياتها ومجالات عملها؛ ولو أن الجهات المعنية أصغت جيداً لمطالبه وعالجت الصعوبات التي يعانيها كل واحدة في وقتها لما احتجنا إلى عقد مؤتمرات وندوات على مدى أيام وشهور ليقول فيها باحثون وأكاديميون ونقابيون ومسؤولون الكلام ذاته الذي طالما تحدث الفلاحون به.
لم ينكر الفلاح ولا المستهلك يوماً أن الدولة تبذل قصارى إمكاناتها وجهودها لدعم الإنتاج الزراعي، إلا أن المشكلة التي طالما اشتكى منها الاثنان هي أن معظم أموال الدعم الحكومي المخصص للزراعة تذهب إلى جيوب تجار أسواق الهال إضافة إلى سماسرة ووسطاء يتحكمون بعمليات تسويق المنتجات الزراعية، ومن دون مرور المحصول المسوق عبرهم لا يمكن لصاحبه أن يواصل عمله الزراعي في الموسم القادم، وغالباً ما يكون لهؤلاء السماسرة دور بارز في توفير بعض مستلزمات الإنتاج الزراعي من بذور وأسمدة ومحروقات ومبيدات حشرية وأدوية لمكافحة الأمراض .. إلخ ما ساهم في بناء مصلحة مشتركة “ولو قسرية” بينهم وبين الفلاح لأسباب متعددة ليس أولها عدم كفاية مستلزمات الإنتاج التي تدعمها الدولة وتقدمها للفلاحين وأحياناً لتأخر وصولها في الوقت المناسب من إنضاج المحصول .. بل أيضاً بسبب شروط تفرضها الجهة الحكومية المستلمة للمحصول ومزاجية اللجان في تطبيق شروط الاستلام.
من الآخر .. إن تطوير الإنتاج الزراعي لا يحتاج إلا لسماع صوت الفلاح وتحويل مفردات هذا الصوت إلى واقع متاح وبعدها سوف ترى خيرات سورية تدفق في الأسواق المحلية والخارجية بمواصفاتها العالمية ونكهاتها المميزة ونوعياتها الجيدة وأصنافها المتعددة.