اللاذقية سنة تاسعة “مونودراما”
أقامت وزارة الثقافة مؤخراً مهرجان المونودراما في مدينة حماة، وبكلِّ تأكيد هذا جهد تُشكر عليه الوزارة في هذه الظروف الصعبة التي تُحدق بالبلاد من كلّ جهاتها بسبب الحرب عليها، وذلك باهتمامها بفن شَغل السوريين على وجه التحديد أكثر من غيرهم، فثمة عروض مسرحية سبق أن قدمها المسرح في سورية على تنوّع اتجاهاته، وجميعها كانت تحت عنوان (مسرح المونودراما).. لكن مالفتت الوزارة الانتباه إليه؛ كان عنوان المهرجان، عندما قامت بترقيمه؛ إذ أطلقت على مهرجانها: (مهرجان المونودراما الأول)، والالتباس؛ كان في هذا (الأول)، ذلك أنه ينسف كل الإرث السوري المسرحي من هذا النوع من الدراما المسرحية على مدى سنوات طويلة.. وهو بتقديري إشكال لا مُبرر له، كان يكفي (مهرجان المونودراما المسرحي)، واللافت للانتباه في هذه (الأول)؛ غير أنه ينسف جهود آخرين سبقوا الوزارة في هذا المجال، إنه غالباً يبقى أولاً، لا ثاني، ولا ثالث له، وهو ما خبرناه في مثل هذه الفعاليات التي توحي بـ(الدورية)، بمعنى أن يصير أمر إقامتها دوريّاً، حيث غالباً ما تبقى أسيرة (أولها)..
وحتى لا نبقى في التعميم؛ نُذكّر في هذا المجال بالجهود التي أقامتها مؤسسة “البيت العربي للرسم والموسيقا” في اللاذقية على مدى تسع سنوات، أقامت خلالها تسعة مهرجانات، استضافت فعالياتها فرق مسرحية من مختلف المحافظات ، وكذلك فرق من مختلف البلاد العربية..
ففي الوقت الذي غابت فيه (المونودراما) عن المهرجانات، والمواسم المسرحية؛ فإنّ “البيت العربي للرسم والموسيقا” في اللاذقية، الذي يشرف عليه ويديره الفنان ياسر دريباتي، خصص حينها مهرجاناً مسرحياً صرفاً لعروض هذا الشكل من المسرح – المونودراما – هذه العروض التي يكون “عبء” العرض المسرحي بالكامل تقريباً، يقع على كاهل الممثل، على جسده، حركاته، وحواراته التي ستكون هنا مونولوجاً طويلاً، لكن بصوتٍ عالٍ.. ومن هنا ستكون “المغامرة” المسرحية بالمراهنة على الممثل لأن “الهنات” التي قد تمر في العروض المسرحية الأخرى، فإنها في عروض المونودراما، تبدو واضحة عند أقلِّ “عكّة” في أداء الممثل، ذلك أن المونودراما من الفنون التي توصف بالصعبة، وصعوبتها تكمن في الكتابة، أو في التجسيد على الخشبة، فليس من السهولة أن تجد شخصية هي من الغنى لأن تشد الجمهور لمدة ساعة، أكثر أو أقل بقليل.. مع ذلك فإن القائمين على إدارة ذلك المهرجان “غامروا” وراهنوا للمرة التاسعة على هذا الشكل المسرحي وقد عنونوا مهرجان الدورة الأخيرة بـ “حكايات سورية”.. وكان يُقدّم على هامش ذلك المهرجان – في اللاذقية – الكثير من الفعاليات الثقافية والاجتماعية الموازية كمعارض التشكيل والموسيقا وغيرها، إضافة لأماكن بديلة عن الخشبة المسرحية المُعتادة؛ كالعرض في باصات النقل الداخلي، أو على نواصي الشوارع، والأرصفة، وحتى على عربات تجرها الأحصنة .. وأذكر من العروض في المهرجان الأخير الذي كان رقمه تاسعاً الصياغة المسرحية التي قدمها الفنان ياسر دريباتي لمجموعة من قصائد الشعراء ” أدونيس، نزار قباني، غادة السمان، ياسر الأطرش، محمود درويش، فؤاد نعيسه، محمد الماغوط، رياض الصالح الحسين، وعبد العزيز المقالح”.
عروض تميل في العادة لأن تكون صوت الفرد، تكشف دواخله، وهذه ميزة عروض المونودراما، ولأجل هذه الميزة، أو كانت من الأسباب التي لأجلها كُرس مهرجان لعروضها بدوراتٍ وصلت إلى تاسعٍ!!!