آيل للسقوط.. ماذا بعد ؟
تشير التقارير الواردة من الأراضي المحتلة إلى أن ثمة توافقات أولية فيما بين تكتلات سياسية إسرائيلية يمكن أن تشكل مقدمة لإنهاء حكم اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو الذي دام لأكثر من عشرين عاماً، وهي المدة الأطول لرئيس وزراء إسرائيلي منذ تأسيس الكيان في أيار من العام 1948، الأمر الذي ستكون له تداعيات عديدة على المستوى الشخصي لهذا الأخير الذي سيواجه أحكاماً قضائية قد تودي به إلى السجن، وعلى المستوى السياسي الذي يؤشر فيه هذا الواقع الجديد إلى عبور الكيان نحو حالة هي أقرب إلى الاستقرار منها إلى نقيضه، وعليه يبدو ذلك الكيان عاجزاً عن مواجهة الاستحقاقات التي تراكمت حتى غدت تمثل تناقضاً أسياسياً من المرجح أن يستولد استعصاء في مساره قد يصبح محدداً لمستقبله.
جاء في تقرير للقناة الثانية عشر العبرية بثته في 28 أيار الماضي أن توافقاً أولياً جرى بين نفتالي بينت، زعيم حزب “يمينا” الذي يحمل لواء اليمين المتدين، ويائير لابيد، زعيم حزب “هناك مستقبل” الذي يوصف عادة بالوسطي، على تشكيل حكومة تغيير، على أن يتم التنصيب في مهلة أقصاها عشرة أيام من ذلك التوافق، ويضيف التقرير: إن بينت سيتولى رئاسة الوزارة بدءاً من تشكيلها حتى أيلول من العام 2023، ثم يخلفه لابيد في الحكم بعد هذا التاريخ الأخير حتى تشرين ثاني من العام 2025، والجدير ذكره أن بينت عاد بعد يومين، أي في 30 أيار، ليؤكد عزمه الانضمام إلى معسكر لابيد لإنضاج تحالف قادر على إخراج حكومة تشكل نهاية لحكم نتنياهو المديد.
هذه الحالة ليست بجديدة على كيان الاحتلال، وتاريخه يحوي العديد منها، لكنها بالتأكيد تمثل حالة قلقة استولدتها ظروف فرضت نوعاً من التوافق اللحظي، ذاك الذي لا يقيم اعتبار لحساسية هكذا اندماجات التي يغلفها الحذر، ولا لحكومة برأسين لها طابع الاستقطاب الحاد الذي تفرضه مرحلة عصيبة لربما كانت هي الأشد حساسية منذ انتفاضة عام 2000، فالجمر لا يزال متقداً تحت الرماد، والراجح أن تذروه أي نسائم يمكن لها لأن تهب لاحقاً، طالما أن نزع جذوته أمراً لا يندرج بين أولويات الاحتلال، ولا أولويات الولايات المتحدة الداعم الأكبر لهذا الكيان .
إذا ما قدر لهذه الحكومة أن تولد، وهذا بات مرجحاً ما لم تحدث مفاجآت، فإن أقصى ما ستذهب إليه هو خلط الأوراق، بمعنى الفعل الذي يؤمن خلق توازنات جديدة ناسفة لتلك التي أنتجتها حرب الأحد عشر يوماً الأخيرة، في محاولة لتلميع صورة الجيش الإسرائيلي الذي اهتزت صورته أمام جمهوره قبل أن تفعل أمام حلفائه، والمحاولة ستكون قائمة أيضا لجهة إعادة الثقة للنسيج الإسرائيلي الذي بدا مؤخراً في حالة من فقدان الأمل بعيش آمن، ظهر ذلك، أكثر ما ظهر بعدما أضحت الملاجئ هي المكان الوحيد الآمن لمستوطني تل أبيب طيلة فترة العدوان على غزة.
أما فيما يخص سعي الحكومة الجديدة نحو إيجاد حلول جذرية للصراع، من نوع الذهاب نحو حل الدولتين الذي برزت نزعته مؤخراً بقوة في تصريحات مسؤولي إدارة جو بايدن، لا يبدو ذلك السعي أمراً وارداً لاعتبارات عديدة، لعل أبرزها هو الإرث الذي خلفه حكم نتنياهو المديد والذي استولد استعصاءات عديدة مثل ما يسمى قانون “يهودية الدولة” الذي أقر العام 2018، ومعه إرث دونالد ترامب، ذي الصلة، الذي خلف هو الآخر أوراماً من نوع الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، والحق في ضم المستوطنات، والإرثان سيحتاجان إلى فترة مديدة، هذا في حال وجدت النيات لذلك، للخلاص من تداعياتهما، لربما لا تتيحها فترة السنوات الأربع التي ستقضيها هذه الحكومة، مع الأخذ بعين الاعتبار أمر مهم هو أن التحالف الحالي هو لحظي ومؤقت، بمعنى أن طرفيه سوف يتخذان، كل منهما على حدة، وضعية التحفز للانقضاض على الآخر إذا ما لاحت ظروف مناسبة، أو حدثت تطورات تتيح له الاستفراد بالسلطة.