ما بعد “العبور” السوري

كان المشهد الذي رسمه السوريون بدءاً من يوم20  أيار الماضي فصاعداً، يمثل في أحد جوانبه التي تعددت في شتى الاتجاهات، ضربة قاضية لـ”قانون قيصر” ومعه باقي العقوبات الغربية المفروضة عليهم، تلك التي كانت تراهن على تأليبهم ضد قيادتهم بعد محاولة تحميلها مسؤولية الانخفاض الحاصل في مستوى معيشتهم خصوصاً في غضون السنتين الأخيرتين، لكنه في الآن ذاته، أي المشهد سابق الذكر، يمثل في جانب آخر عبوراً نحو مرحلة جديدة تكاد تكون مختلفة تماماً عن سابقاتها، وفي تباشيرها التي ترسمها معطيات سياسية وأخرى اقتصادية يمكن الجزم بأننا على أعتاب مرحلة تحمل العديد من المتغيرات التي سترتد إيجاباً على الواقع السوري.  

من الممكن، سياسياً، لحظ العديد من المتغيرات التي تشهدها الساحة العربية لجهة طريقة مقاربتها للأزمة السورية التي فرضها المعطى الداخلي السوري بالدرجة الأولى، وكذا ساعد فيها تغليب العديدين لحقيقة أن الابتعاد عما يجري في سورية، من نوع التمدد التركي في الشمال الغربي والأمريكي في الشمال الشرقي، أمر لن تنحصر تداعياته داخل الجغرافيا السورية فحسب، بل ستكون له تداعيات نظيرة على التوازنات القائمة في المنطقة، وهي سترتد سلباً على مصالح العديد من الدول العربية، ولربما يمكن القول أيضاً إن كسر هذا الجليد السياسي سابق الذكر سوف تكون له نظائر اقتصادية من المرجح أن تتمظهر بعدة مظاهر بدءاً من استعادة حركة التبادل التجاري لنشاطها من جديد، ثم وصولاً إلى جذب الرساميل المهاجرة بفعل الأزمة لتعود إلى حركتها السابقة لتعيد بث الحياة في قطاعات واسعة بعدما أثقلت السنين العشر كاهلها.

هناك اليوم الكثير من المعطيات السورية الداخلية التي يمكن الرهان عليها للخروج من هذا الوضع الاقتصادي الصعب، وفي الذروة منها العودة إلى إعادة تفعيل القطاع العام بدرجة أكبر من تلك التي حدثت مؤخراً، فسيطرة الدولة على الموارد وإدارتها، من شأنه تهميش الدور الذي تلعبه شريحة ضيقة تفكر فقط في إثراء خزائنها من دون أي اعتبارات أخرى، ومنها، أي من تلك الرهانات الممكنة، الاستثمار الأقصى للموارد الطبيعية والبشرية التي كانت على الدوام كنز سورية الذي لا ينضب، وعبرها تجاوزنا أزمات كبرى من نوع التي مرت بها البلاد في الثمانينيات، ونظيرة لها مرت منتصف العقد الأول من هذا القرن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار