رئيس اتحاد الكتّاب في فلسطين: غياب الأمن الثقافي العربي فسح المجال للمساحات السوداء

في قلبه سورية كما فلسطين، وفي الفكر الثّقافة العربية كلّ لايتجزأ لكن يبقى لسورية دورها الرّيادي استناداً إلى إرثها وتاريخها العميق كما يقول الأديب مراد السّوداني رئيس اتحاد الكتّاب الفلسطينيين في الأرض المحتلة الذي يزور دمشق اليوم بعد مرحلة صعبة وقاسية عاشتها فلسطين عموماً وغزّة خصوصاّ، يقول: حقيقة في ظلّ هذا الوضع الّذي يشتدّ منازلة لهذا النّقيض الصّهيوني في غير فضاء وغير مساحة على امتداد فلسطين المحتلة، وفي ظلّ هذا الوضع المشتد والممتد فينا امتداد الزّيت بالزّيتون والناّر في سياق المواجهة مع النقيض الصهيوني تأتي هذه الزّيارة لتؤكّد من جديد أنّ فلسطين باكتمالها موحّدة وكاملة على كامل تضحياتها الكبيرة ووجعها وكامل هذه «اللا» الرّافضة لكلّ سياقات المحو والإلغاء التي تُمارس على روح فلسطين وذاكرتها ووعيها وثقافتها بما يليق بثقافتها العميقة وقدرتها على العطاء لكي نكون هنا في دمشق التي هي صنو القدس المحتلة، والقدس كلّ عاصمة عربية لكن بينها وبين دمشق مايفوق غيرها من العواصم، إذا لا فرق بين العاصمتين، وهما يتفصدان الوجع المرّ من ذات النقائض واستراتيجيات المحو والإلغاء، لكنهما معاندتان راسختان وثابتتان ثبات الزّيتون.. أن نكون هنا في هذه اللحظة ودمشق تسير نحو حقها وحقيقتها من دون تدخّل أحد لأنّها من يقرر مستقبلها بعيداً عن اشتراطات الأجنبي في لحظة فارقة من تاريخ الأمّة.. دمشق نهضت من الرّماد كما نهضت القدس لتعلنا رفض صفقة القرن، وكلّ محاولات المسح والإلغاء، وتعلنا انتصار فلسطين لحقّها ووعيها.. هذه الفلسطين والدّمشق تؤكّدان أنّ هذه الأمة بخير، لأنّ هذا القلب بجناحيه لا يزال عصياً على التّبعية.
وبالسّؤال عن دور الثّقافة في مقاومة كلّ محاولات التّهويد وطمس الهوية الفلسطينية، يجيب السّوداني: لقد سعى الاحتلال لما يزيد على المئة وخمسة وعشرين عاماً لشطب الذاكرة والوعي في فلسطين المحتلة من خلال جعل الّلغة العبرية اللغة الأساسية، لكنّه فشل بفضلّ صدّ وردّ كلّ هذه المحاولات، وانتصار جماليات وثقافة فلسطين، لأنّهم فشلوا في كي الوعي الفلسطيني، مثلما فشلوا في دمشق عبر «ربيعهم الأسود».. الثّقافة الفلسطينية استعادت المبادرة من جديد وهي رأس الحربة، وكما نقول دائماً؛ المثقف أوّل من يموت وآخر من يموت، وهو القادر على وضع استراتيجية المواجهة واجتراح كلّ مساحات الأمل في أشدّ الّلحظات ألماً، وأن يشتقّ هذه الجماليات من لحظة انشقاق الوعي على فضاء البهاء والحضور، فالثّقافة.. هي الصّحو في مواجهة كلّ هذا المحو، وهي التي تعلن انتصار طاقاتها الخيّرة والخير في لحظات مرّة من تاريخ الأمة.
ويوضّح السّوداني: هناك كتّاب في فلسطين كتبوا بالحبر السّاخن، وفي غير مكان من العالم بالحبر البارد، لذلك عندما نتحدّث عن الثّقافة الفلسطينية نتحدّث عن الثّقافة الواحدة والعمق الواحد..
وبالاستفسار عن علاقة اتحاد الكتّاب في فلسطين ببقية الاتحادات في الدّول العربية، يبيّن السّوداني: نحن استعدنا كتّابنا في فلسطين المحتلة عام 1948 منذ ما يزيد على السنوات السبع، وأعلنّا عن تأسيس اتّحاد الكتّاب العرب الفلسطينيين في حيفا، ووحّدنا الجهد الثّقافي بكلّ مكوّنات الفعل الثّقافي كجزء أصيل من اتّحاد الكتّاب في فلسطين لاستعادة الوعي والمبادرة، وجعلنا هذا الفرع جزءاً من اتّحاد الكتّاب العرب، وحضر كتّابنا من فلسطين المحتلة غير مرّة في المكتب الدّائم لاتّحاد الكتّاب العرب في دمشق، وهذا تطوّر كبير في سياق توحيد الجهد الثّقافي ونتواصل مع قنطرتين عاليتين للثّقافة الفلسطينية في دمشق ولبنان، لكن منذ عام 1982 وحتى اللحظة أصاب السبات الشتوي كثيراً من مكوّنات الفعل الثّقافي وتحديداً في الشتات، ونحن نتواصل منذ سنوات ونعمل على توحيد الجهد الثّقافي واستعادة الدّور لكتّابنا، وفي هذه الزّيارة قمنا بطباعة ما يزيد على السّبعة كتب لكتّاب فلسطينيين، ولأوّل مرّة يطبع لهم في فلسطين.. أي نقوم باستزراع لثقافة الشّتات وتعريف بإبداع هؤلاء الكبار في الأرض الفلسطينية، وهذا ما يحصل لأوّل مرّة ونهدف من هذه التبادلية التّعريف بالكتّاب والأدباء في الشّتات، ونشر إبداعهم في فلسطين، وأن تطبع أعمال كتّاب الأرض المحتلة في بلاد الشّتات للتّعريف بهذه الأجيال الجديدة والمؤسسة التي حضرت بقوة في كلّ ساحات الاشتباك مع النقيض الصّهيوني بالكلمة والبندقية، مضيفاً: استعادة الدّور للمثقفين وإعلاء قنطرة الثقافة؛ هو ما نطمح إليه لأنّه الرّهان الأمضى والأقوى والأبقى والأغلى بعد سقوط كلّ شيء وهو الذي يحفظ كلّ الجغرافيا من الخلخلة.. من يكتب يقاوم ومن يقاوم ينتصر.

وبالحديث عن القضية الفلسطينية في الرّواية العربية، يقول السّوداني: الرّواية الفلسطينية هي رواية الوقائع ورواية العذاب، ولا يمكن أن يكون المثقف إلّا صاحب موقف ولديه مساحة واجبة للقيام بدوره بأشد اللحظات عصفاً وفتكاً، وعليه أن يرى بعين زرقاء اليمامة ويذهب إلى حلمٍ وسيعٍ، وعليه تقع المسؤولية الكبيرة، لأنّه يجب أن يثبّت الوجدان الجماعي على إرادة صلبة وقدرة صلبة تليق بتضحياته، مضيفاً: المشروع الثّقافي الفلسطيني يجب أن يستعيد المبادرة وأن يكتب رواية فلسطينية تليق بها ويؤكّد قوّة الحياة الفلسطينية..
وبالسّؤال عمّا إذا كان المثّقف العربي، وبالرّغم من كلّ الأزمات لايزال يلعب دوراً مؤثراً أو قائداً كما في السّابق، يجيب السوداني: في ظلّ غياب المشروع الثقافي العربي؛ وجدنا أن لا أمن ثقافياً عربياً موجوداً، وهذا ما جعل كلّ المساحات السّوداء تدخّل في جدار الوعي وتخرب جبهة الثّقافة، لأنّ الأمن الثّقافي العربي؛ هو الذي يحمي ويحصّن العواصم والمجتمعات من كلّ سوء، لذلك يجب تعميقه وتوسيع مساحات الحريات بما يليق بخصوصية كلّ بلد، ونحافظ على إنسانية الإنسان كمعنى وذاكرة، والثّقافة هي الجدار الأخير الذي يبقى بعد كلّ شيء، لذلك علينا استعادة المشروع الثّقافي العربي، وعلى سورية تحديداً أن تأخذ المبادرة استناداً إلى إرثها وثقافتها العميقة، ولأنّ الكثير من العواصم سقطت في التّطبيع المجاني.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار