متى يكبر ابن العاشرة ..؟
لأعوامٍ طويلةٍ مرّت بدا “حنظلة” مصمماً على ألّا يُدير وجهه لنا. اليوم يتردد السؤال في فلسطين والعالم “متى يكبر ابن العاشرة، متى نعرف وجهه”؟، الإجابات كما استبقها صاحب الرسم الشهيد ناجي العلي “1937- 1987” تعني رفضاً واضحاً لأي مساومة أو تطبيع أو تنازل مهما حاول أصحابه تغليفه بمسميات ومبررات وادعاءات، ما جعل رسمه الشهير أيقونة تنأى بنفسها عن أي مساسٍ بالحق الفلسطيني منذ الظهور الأول لـ “حنظلة” داخل زنزانة للاحتلال الإسرائيلي، انتقل بعدها إلى جدران مخيم الحلوة في لبنان، ومنها إلى مجلة “الحرية” 1961 لتبدأ الرحلة على صفحات الجرائد ثم إلى العالم أجمع.
اللافت في الرسم الكاريكاتوري ما ينضوي عليه من (غضب، رفض، مقاومة، إصرار، ثبات) على قلّة خطوطه وألوانه وبساطة شكله: قدماه حافيتان، ثيابه مرقّعة، يداه خلف ظهره، حاضرٌ دائماً مهما تعددت عناصر اللوحة، كأنه وجهة نظر فيما يجري أو عيناً ترقب ما حولها رغم أنه طفلٌ لا يكبر، وكما يُنقل عن العلي؛ «قوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء كما هو فقدان الوطن استثناء»، رسمه طفلاً في العاشرة من عمره، وهو عمر العلي حين غادر وطنه مع أسرته بعد الاحتلال، لن يكبر حتى يعود إلى فلسطين.
اللافت أيضاً أن “حنظلة” لم يفقد يوماً قدرته على التعبير بموازاة ما شهدته فلسطين نفسها من أحداث وتطورات، ومع ظهور عشرات الرسوم والرموز والأسماء، بقي عصيّاً على التبديل والاستغناء وحتى النسيان، ليغادر الصفحات المقيّدة بمواعيد وأمكنة النشر إلى فضاءات أرحب، جعلته حيّاً باقيّاً استثناءً كالوطن.
نستحضر “حنظلة” اليوم، والحق أنه هو من يستحضرنا، فنحن من نخضع لقوانين الذاكرة والسقوط في التقادم أما الرمز الفلسطيني بأبعاده الإنسانيّة والأخلاقيّة، فقادرٌ على سرد الحكاية بأبسط وأقوى مما نتخيل، تماماً كالكوفيّة والمقلاع والسكين، ككل ما هو فلسطيني.