«فلة والأقزام السبعة» لبسام حميدي.. متعة مسرحية مركّبة
لعلها من المرات القليلة التي يتم فيها إنتاج عرض مسرحي للأطفال يكون عماده التوليفة البصرية بين شاشات العرض والإضاءة والممثلين على الخشبة، مع نص مُلحَّن بالكامل على مدى خمسين دقيقة، من هنا حققت مسرحية «فلة والأقزام السبعة» لمخرجها بسام حميدي وإنتاج مؤسسة «ميار» الدولية بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا، أسبقيتها، ورغم أن الحكاية معروفة مسبقاً بالنسبة لجمهور الأطفال في مسرح الحمراء الدمشقي، إلا أن التحوير الذي قام به «هشام كفارنة» سواء في مفاصلها الأساسية، أو في أسلوبية كتابتها شعراً، جعلهم أمام مُحفِّزات جديدة للمتابعة، ولاسيما مع ألحان «إيهاب مرادني» التي واكبت الحكاية، بين متعة «القصّ الشّعري» إن صحت التسمية، وحيوية النص الموسيقي المرافق، بحيث كُنّا أمام ثلاثة مستويات مجدولة مع بعضها: المستوى السردي بلغته الفصحى الجميلة الغنية، التي لامست اليافعين أكثر من الأطفال الأصغر عمراً، والمستوى البصري الذي اغتنى بسينوغرافيا ساحرة تجمع بين كتب الأطفال المصورة، وما سبق أن شاهدوه من أفلام كرتون، تلفزيونية وسينمائية، للحكاية ذاتها، وبين إدغام الممثلين في المناخ العام، سواء على الخشبة أو بوساطة تصويرهم كجزء من المشهد المتحرك على شاشات العرض، والتناوب بين دخولاتهم وخروجاتهم، ليأتي المستوى الثالث المتعلق بالموسيقا والأغنيات وحيويتهما، ودورهما في مفصلة الأحداث، وإضفاء سحر إضافي على المشهد العام للعرض.
ليس ذلك فقط ما أعطى المسرحية خصوصيتها، إذ جاء الاشتغال على جعل الممثلين كأنهم قطعة البازل المُتَمِّمة لبهاء «فلة والأقزام السبعة» بصيغتها البصرية الموسيقية الحديثة، سواءٌ بتحويل المرآة السحرية التي تخبر من هي الأجمل إلى راقصة باليه فائقة الجمال «شهد عبّاس»، التي لا تلبث أن تتحول بين حنايا العرض إلى فراشة آسرة الحضور، أو عبر شخصية الملكة الشريرة التي أدَّتها «تماضر غانم» بخفّة دم منقطعة النظير، من دون إعلاء ثيمة الشر، وإنما بإثارة الضحك عليها والسخرية منها، ضمن توليفة أدائية خاصة، جعلتنا ننسى المكر والخداع والخِسّة الناجمة عن الغيرة والرغبة بالاستئثار بلقب الأجمل، مُقابل بهرجة ذكية في الإمساك بتلابيب الشخصية وتحويلها إلى نقيض للخير، من دون لؤم أو زوايا حادّة لبشاعة الطبع، وذلك بالشراكة مع خفَّاشها «خوشناف ظاظا» القريب إلى القلب، لكنه كان في الوقت ذاته أقرب إلى مُتلقِّي الضربات الناجمة عن خيبة ملكته في أن تكون الأجمل، ليأتي بعد ذلك الأقزام السبعة من أكثرهم حكمة «داود الشامي» إلى أجملهم «قزومة.. ماريا عيد»، فالقزم القوي «فيصل سعدون»، إلى جانب «غضبون.. شادي جان»، و«كسول.. ناصر الشبلي» و«عشبون.. ربيع جان» و«الموسيقي.. ماجد الشيخ»، وما شكَّله اختلاف طباعهم من مفارقات ومواقف كوميدية جذبت الأطفال المتابعين للعرض، إلى جانب رقصاتهم وأسلوبية حركتهم، لتستمر البهجة من خلال اللِّصَّين «طربوق.. زهير البقاعي» و«زقزوق.. فادي الحموي» اللذين رغم صغر مساحة دوريهما، وهامشيتهما، إلا أنهما عبر مبالغات أدائهما استطاعا أن يتركا بصمة واضحة في تنكُّرهما بزي شجرة، وسحب أغصانها كسيفين من أجل المبارزة نتيجة خلافاتهما المستمرة في كيفية الحصول على الغنائم، ولاسيما ذاك الصندوق المرمي في البحر بأمر من الملكة الشريرة التي أجبرت «الراعي.. جمال تركماني» على رميه من دون معرفة ما في داخله، لكن حضور راعٍ في قاعة العرش الملكية، وعزفه على الشَّبابة خلال انتظاره، كان في حد ذاته مفارقة ما بعدها مفارقة، تبعث على الابتهاج لكثرة غرابتها، لنكتشف فيما بعد أن «فلة.. مي مرهج» كانت داخل الصندوق، وطمع اللصين بسرقة محتوياته ساهم بإنقاذها، لتجد نفسها في غابة الأقزام، ولتستمر الحكاية بتلقائية وعفوية حضور الممثلة «مي»، لتبدو كأنها خارجة للتو من روح الحدوتة الشعبية وسحر الخيال الذي نسجها.
ذاك الخيال نفسه الذي ساهمت أزياء «ريم الماغوط» في جعله غزيراً بالحيوية والخصوصية من ناحية الألوان وامتلاكه صفات الشخصية المسرحية، التي اكتفت في هذا العرض من كونها أسيرة الخشبة، إذ أفسح لها «حميدي» الفرصة لتتخلى عن جاذبيتها الأرضية إلى جاذبية من نوع آخر، إذ تركها تطير، بخداع بصري، عبر فضاءات متعددة، من أرضية المسرح إلى سماء الشاشة، أو أن تخرج من صيغتها كصورة متحركة إلى الواقع المسرحي، مع إدغام مثالي لتلك التنقلات، نجح من خلالها بامتلاك وصفة أثيرة تجمع بين الكتاب المصور والسينما والتلفزيون والمسرح، ما حقق متعة مركّبة زادت من أثرها المناخات الموسيقية المتنوعة التي حققها «مرادني» بصيغة اقتربت من درامية الحكاية، وخاصة من الكوميديا المتضمنة فيها، فجاء اللحن شخصية أساسية تضاف إلى الشخصيات، وتلعب معهم، على الخشبة وفي قلب الصور المتحركة، لنكون في النهاية أمام معادلة فريدة في إنتاج عرض بصري موسيقي يليق بالطفل السوري وبذهنيته التي تعرف التقاط مكامن الجمال والسحر.