لماذا نذهب إلى الانتخابات؟
سؤال يطرحه كثيرون في سياق تبرير عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية.
البعض يرى أن سورية اختارت قيادتها عبر السنوات الماضية، وهي القيادة التي صنعت النصر على المخطط الاستعماري وتتمتع بثقة الشعب وفوزها مؤكد. البعض الآخر متأثر بوسائل الإعلام المغرضة ويشكك بنزاهة الانتخابات ويعتبر أن نتائجها مضمونة. فئة مهمة من المواطنين مطحونة في السباق اليومي مع لقمة العيش إلى درجة أدت إلى عزوفها عن المشاركة بالعمل العام بالإجمال.
بعيدا عن الحماس والتحفيز القائم على الموقف الوطني من الاستحقاق الدستوري، الانتخابات القادمة تحقق مصلحة كل السوريين الراغبين برؤية بلادهم تعود إلى وضعها الطبيعي، بغض النظر عن مواقفهم وانحيازاتهم السياسية. فالبلاد اليوم أمام مشروعين؛ انتخابات رئاسية بشروط دستورية وقانون سوري، أو مشاريع استعمارية لانتخابات تكرس التقسيم الإثني والطائفي بشروط العدو. خيار المواطن السوري لأحد المشروعين خطوة في تحديد موقفه من المستقبل، وهنا السؤال… كيف تتحقق مصلحة المواطن البسيط من خلال الانتخابات الرئاسية، أو أي انتخابات أخرى؟
لو رجعنا إلى انطلاقة ربيع الصهاينة، لوجدنا أن المستهدف بالتدمير كان الدول التي تحكمها أنظمة ذات مشاريع وطنية، أو إمكانيات لقيام مثل هذه المشاريع. بعد البروفة التونسية التي كرست فكرة الثورة المزعومة، وحققت النجاح من خلال إزالة الحاكم دون المساس ببنية النظام الحاكم، كان التوجه نحو مصر وليبيا. نجح المخطط في الحالتين؛ اغتيل الشهيد معمر القذافي، واستقال الرئيس حسني مبارك، لكن الوعود بالديمقراطية والحرية والرخاء لم تتحقق، بل انهارت الدولة وانتشر الإرهاب، ولولا أن الجيش المصري أدرك البلاد بعد سقوطها بيد عصابة الإخوان المسلمين، لما اختلف مصير المصريين كثيرا عن مصير أشقائهم في ليبيا، حيث حكم الإرهاب، والعصابات المأجورة. لقد تعلمنا من هذه الدروس أن المستهدف من الثورة المزعومة لم يكن سوى بنية الدولة، لتحويلها إلى دول فاشلة معتمدة اعتمادا كاملا على المستعمر، الذي يعيش أزمة اقتصادية.
جرت المحاولة نفسها في سورية، وتحت الشعارات نفسها، وخُدع البعض بوهم الثورة، وانساقوا خلف الممولين والمتآمرين. لكن الثورة المزعومة وجهت سلاحها إلى الشعب السوري ومقدراته. فاستهدفت البنى التحتية من طرق وجسور ومدن صناعية وكهرباء وماء، في الوقت نفسه حققت للعدو أهدافه باستهداف مؤسسات الجيش العربي السوري، وخاصة كتائب الصواريخ والرادار المعدة للدفاع عن سورية ضد العدوان الخارجي. عندما فشل الشق العسكري من المؤامرة، تداعى المتآمرون لوضع قانون لحصار سورية، فكان قانون قيصر السيء الذكر، الذي فرض حصارا اقتصاديا لا يقل في إجرامه عن العمليات الإرهابية.
لم يميز العدو بين السوريين. فالإرهاب العسكري والاقتصادي نال من جميع السوريين ولم يفرق بين مؤيد ومعارض، ولم يستثنِ أمراء الحروب ولا تجارها، وحين وجد البعض أن السبل سدت في وجهه هام في الأرض لاجئا بعيدا عن وطنه، أو خسر حياته غريقا على أبواب موانئ الدول التي تآمرت لإخراجه من وطنه.
لو رجعنا إلى ما قبل بداية الحرب على سورية بيوم واحد، وقمنا بوصف وضع البلاد حينها لقلنا: شاهدنا شعبا منتجا يكد في العمل نهارا، ويستمتع ليلا، يمارس شعائره الدينية بحرية، الغالبية راضية بعيشها، البعض يشكو، الغالبية تعمل والبعض فاسد. الدولة تمتلك مشروعا وطنيا كرست له بناها السياسية والاقتصادية. منظومة التعليم المجاني ناجحة بشكل ملفت واستطاعت تخريج الملايين من السوريين والعرب، بل نستطيع القول إن خريجيها كانوا من ركائز النهضة في بلدانهم. منظومة صحية مجانية تقدم خدمات مقبولة جدا خاصة في الأرياف، والقطاع العام الصحي هو القطاع المسيطر على المشهد العام مع تواجد محدود للقطاع الخاص. مؤسسات القطاع العام صاحبة اليد العليا في مجال الصناعة من خلال المدن الصناعية المنتشرة في معظم المحافظات، والتي حققت انجازات مرموقة في عدة مجالات، وكذلك سيطرة الدولة على قطاع النقل العام الذي كان يعتبر من الأرخص عالميا، وفي قطاع النفط والطاقة تعمل مؤسسات الدولة على ضمان عدم الارتهان للشركات الأجنبية. بعبارة أخرى كنا أمام دولة تحاول النجاح في جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية المهمة للمواطنين.
هذه الدولة كانت المستهدفة بالمؤامرة، وسقوطها كان يعني إفشال كل هذه المؤسسات لصالح مؤسسات مرتبطة بالمستعمر، بما في ذلك تقسيم البلاد على أسس إثنية وطائفية لتسهيل تحقيق الهدف المرجو.
تمكن الجيش العربي السوري، مدعوما بصمود الشعب السوري، من إحباط الجزء العسكري من المؤامرة، واستعادت الدولة السيطرة على معظم البنى التحتية وشرعت بإعادة إعمارها وتشغيلها، كما حدث في المدن الصناعية في حلب وحسياء، واستعادت المنظومتان التعليمية والصحية الكثير من إمكانياتهما، وكذلك البنى التحتية للنقل من خلال إعادة فتح الطرق والمطارات وتشغيل أجزاء من السكك الحديدية. وأظهرت الأحداث أن كل تقدم للدولة السورية في إزالة آثار الحرب يقابله زيادة في مؤامرات العدو ومخططاته لضرب جهود إعادة الإعمار.
تعلمنا من الدرس الليبي، وقبله العراقي، أن سقوط الدولة يصيب كل أبناء الوطن بغض النظر عن انتمائهم أو موقفهم من السلطة الحاكمة. وإذا كنا قد استوعبنا الدرس جيدا، فلا بد أننا عرفنا أن الرد على هذه المؤامرات لا يتحقق إلا بدعم بنية الدولة والعمل على تقويتها من خلال استكمال بناها السياسية والقانونية، وإعطاء هذه البنى زخما جماهيريا يمكنها من اتخاذ القرارات المفصلية، سواء في المواجهات العسكرية التي ما زالت دائرة في بعض مناطق سورية، أو القرارات الاقتصادية والسياسية التي تساهم بتخفيف الأعباء اليومية على المواطن.
المشاركة بالعملية السياسية في سورية ليست واجبا وطنيا فحسب، ولكنها مصلحة وطنية للشعب السوري بمجمله. السنوات العشر الماضية كانت سنوات الصمود والتصدي للعدوان، وقد نجحت سورية بهذا الامتحان بامتياز رغم بعض العثرات. والسنوات القادمة هي سنوات البناء والعمل، واستعادة دور الدولة الاجتماعي، والتقدم نحو مكان أفضل مما كانت عليه الأمور قبل الحرب.
الحقيقة البسيطة تقول أن مشاركة كل مواطن سوري داخل وخارج سورية مهمة جدا، لأنها ببساطة تصويت لصالح الدولة السورية ومؤسساتها، بغض النظر عن الاسم الذي سيكتب على ورقة الاقتراع.
كاتب من الاردن