لم يكن خبراً عادياً اعتادت عليه حواسي الخمس بفعل الحرب المأزومة المفروضة على خارطة وطني، بل كان خبراً قريباً من وريد القلب وخانة الطريق اليومية وجدول دوامي الوظيفي، فالوجع كان أن طال المبنى الحكومي القريب من جريدتنا وحجم المتفجرات التي اغتالت عناصر الأمن والمارة وجدران الأسمنت استطاعت أيضاً الوصول لجدران مبنى جريدتنا، الخبر وصل.. وتعطلت لغة الكلام في حضرة الفجيعة المستمرة من خبر سيئ لآخر أسوأ يخص خانة القلب والأصدقاء..
لم تكن الشبكة الطرقية مابين دمشق العاصمة وريفها قيد حياة كاملة، ومعظم زملائي – وأنا واحدة منهم – نقطن الأحياء القريبة من دمشق والتي ماشعرنا بزمن بعدها الكيلومتري حتى صار على أطراف أتوسترادنا خلايا إرهابية كامنة وصارت إثرها العشر دقائق أيام السلم مستحيلة تحقيق الوصول الى مؤسساتنا الوظيفية في زمن الحرب!!
العشر دقائق أمست ساعتان وربع وخفقة قلق وخوف طول الطريق المفتوح باحتمالية قنص أو تفجير أو اعتداء إرهابي على حاجز للجيش العربي السوري..
ومع كل وقع الأخبار ومناظرتها بالعين المجردة إثر وقوعك خبراً ناجياً من نيران أسلحة غادرة مصدرها بساتين داريا أو قنبلة يدوية مرمية أمام السيارات المدنية والمارة الذين لاحول لهم ولاقوة.
كان القرار بخوض غباب الاتوستراد المأزوم والوصول لمبنى جريدتنا المكلوم بنيران الاعتداء، لأننا كنا مؤمنين يومها بتمثيلنا للوطن وأننا أرقام معلومة لها التأثير النفعي والمردود القيمي الذي من خلاله نصدّر كل من مكانه وعمله ومنصبه صورة الحياة التي تليق بمؤسساتنا الحكومية.
في زمن النار والحرب ولحظة إعلان التفجير انتعلت يومها الطريق الملغوم بفكرة نار طائشة واستعنت بإيمان الواثق بمؤسسته العسكرية وقيادته الحكيمة وسرت حتى وصلت مبنى الجريدة بنوافذها المكسورة وروضة أطفال الموظفين بالطابق الأول المتأثرة أكثر من غيرها بنيران الغدر الإرهابية فيما الأخبار تذيع حصيلة شهداء المؤسسة العسكرية القريبة من مبنى جريدتنا، تمالكت نفسي يومها واستعنت بفعل الحمد بدل البكاء وحفظت عن ظهر قلب صور المكسور من نوافذ وجدران وقلوب الأصدقاء، صور شكلت اليوم قاعدة بيانات وأرشيف ذكريات تسعفني للوقوف بكبرياء بكامل قامتي التي لا تنحني إلا عربون إجلال وإكرام لروح شهدائنا الأبطال.
لروحك ناجي الأسعد شهيد الإعلام وزميل الحبر والكلمة ألف سلام.