تحوي دفتي الروزنامة السورية -التي يشكل منتصف آذار 2011 غلافها الأول، في حين سيمثل أواخر أيار 2021 غلافها الثاني- الكثير من الأحداث الجسام والمراحل المفصلية، وفيها الكثير من المشاريع والمخططات التي كانت سرعان ما تتهاوى كما تفاحة نيوتن بفعل الجاذبية التي يمثلها هنا تجذر الشعب السوري في أرضه، ورسوخه فيها كوريث لحضارة عرفت الاستقرار وسيلة لتصدير إشعاعات حضارتها للعالم أجمع، كما ستسجل، دفتي تلك الروزنامة أيضاً، أنواعاً من الضغوط قد تكون هي الأقسى مما تعرض له شعب، ودولة، بهذا الحجم وتلك القدرات، ولربما يكفي هنا لرسم صورة مصغرة عن تلك الضغوط الاستعانة بتصريح لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، والذي تحدث فيه عن صرف80 مليار دولار في أربعة أشهر فقط من أجل إسقاط الدولة السورية.
قد تكون مخرجات الحرب الدائرة منذ ما يزيد على عشر سنوات قد أفضت إلى الكثير من الدمار في البنى التحتية، وأدوات ووسائل الإنتاج، لكنها في مقلب آخر كشفت عن ذات جماعية سورية قادرة دوماً على النهوض، والأهم هو أن تلك الذات لم تكن تعتمد في قدراتها تلك على تنظيرات تأتي من هنا وهناك على شكل وصفات تجيء من كل حدب وصوب، وإنما كانت تستند على استيقاظ شعور دفين، تختزنه تلك الذات في دواخلها، يشي بأنها وريثة حضارة تمتد لآلاف السنين، وأجيالها المتلاحقة وصولاً إلى اليوم الذي يليق بها دور إعادة بعث تلك الحضارة من جديد.
خلافاً لكل “الثرثرات” فإن الشارع السوري قد أثبت أنه يتمتع بنزاهة وحس سليمين في تقييم الأمور مهما لابس هذا التقييم من شوائب هامشية كانت ترسمها صيغ جامدة وجمل إنشائية لا يربطها، غالباً، منطق متماسك.
في 26 أيار المقبل ستكون سورية كلها على موعد مع التشافي من مخلفات حرب كانت في جزئها الأكبر ذات قوى دفع خارجية، وعلى استعادة الدور الذي يليق بالسوريين من جديد.