لربما يمكن الجزم بشكل قاطع بأن المفاوضات الثلاثية المصرية- السودانية- الإثيوبية حول سد النهضة التي استضافتها جمهورية الكونغو الديمقراطية، قد انتهت إلى مراكمة افتراق في المواقف من الصعب بعد اليوم إيجاد تلاقيات جديدة فيها، أقله وفق المعطيات الراهنة، وبمعنى آخر أقله إذا ما بقيت المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقي الذي ترفض أديس أبابا الخروج من تحت عباءته بذريعة أن ذلك يشكل “انتهاكا للسيادة الإفريقية”، في حين أن الهدف الحقيقي لذلك الرفض يهدف إلى تجنب خيار دخول أطراف جديدة في تلك المفاوضات، وصولاً إلى إمكانية اللجوء إلى “التحكيم الدولي” الذي ترى إثيوبيا أنه لن يكون في صالحها، ولذا فهي تسعى إلى القيام بخطوات لفرض أمر واقع، من نوع إعلان وزير المياه الإثيوبي ساشي بيكيلي في اليوم التالي للمفاوضات أن “الملء الثاني للسد سيتم في موعده المحدد وفق ما خطط له”.
جاءت الردود المصرية والسودانية على التصريح السابق مرنة بل تتصف بقدر عال من الدبلوماسية، وتجنبا الإيحاء بأن المفاوضات قد وصلت إلى طريق مسدود، على الرغم من أن في الأمر ما يدعو إليه، فالذهاب بعيدا عما ذهبا باتجاهه من شأنه أن يكون ذا حمولات ضاغطة قد تدفع باتجاه أن يتخذ الصراع في مساره انعطافة لا يبدو أن للأطراف الثلاثة مصلحة فيها، بل على العكس تبدو جميعها حريصة على اعتماد سياسات تتجنب “خيار الصفر السياسي” الذي يعني بالضرورة اعتماد خيارات أخرى غير محمودة العواقب، فوزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي اتهمت الحكومة الإثيوبية بتجاهل “المرجع الأساسي” للمفاوضات، الذي قصدت به إعلان المبادئ الموقع بين الأطراف الثلاثة في العام 2015، في حين قال سامح شكري وزير الخارجية المصري: إثيوبيا “تجهض أي مسعى للتوصل إلى اتفاق دائم بشأن سد النهضة”، ولربما كانت لدى مصر والسودان، الكثير من المبررات التي استدعت التهدئة، لترك الباب موارباً حتى ما بعد فوات الفرصة الحالية للتفاهم الدبلوماسي فالحلول الأخرى غير الدبلوماسية قد تبدو كارثية على الأطراف كلها.
وفق هذي المعطيات تبدو الدبلوماسيتان المصرية والسودانية معنيتين بدرجة أولى باللجوء للقانون الدولي الذي إذا ما طرح خياره فلسوف يكون من الصعب على إثيوبيا رفضه بسبب أكلافه السياسية الباهظة، لكن حتى هذا الخيار ليس مضمون النتائج، فإذا ما جاءت نتائج التحكيم في غير الصالح المصري والسوداني، وهذا أمر يبدو محتملاً قياساً لما يجري ترتيبه لمصر، فذاك يعني طي صفحة سد النهضة بشكل نهائي، ومن الصعب، بعد ذلك الطي، فتح الملف من جديد تحت أي ذرائع أياً تكن نوعيتها، أو درجة الحق الناصعة فيها.