ولادة تكتلات جديدة

التوتر القائم راهناً ما بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وبين كل من الصين وروسيا من جهة أخرى لا يمثل حالة مستجدة، أو استولدتها مصالح أو أحداث لحظية يمكن زوالها بزوال مسبباتها، فالفعل له جذوره الممتدة إلى ما قبل عقود ثلاثة أو تزيد، عندما شهد مطلع التسعينيات من القرن الماضي انفراداً أمريكياً بالسيادة العالمية في أعقاب انهيار حلف وارسو 1989، ومن ثم تفكك الاتحاد السوفييتي 1991

مثل الواقع الجديد الذي كانت له حمولاته الضاغطة على امتداد العالم حافزاً لولادة تكتلات عدة كان الهدف منها الوقوف بوجه السطوة الأمريكية التي أظهرت وحشية قل نظيرها في محاولات استعباد الشعوب ونهب ثرواتها، وصولاً إلى محاولة اللعب بجغرافيا الدول إذا ما اقتضت المصالح الذهاب إلى هكذا خيار، كانت الأفكار الأولى قد خرجت للعلن في العام 1996، لكنها لم تتبلور واقعاً إلا في حزيران 2002 الذي شهد توقيع ميثاق منظمة “شنغهاي” التي ضمت الصين وروسيا وكازخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان ثم أوزبكستان، قبيل أن تنضم كل من الهند وباكستان إلى ذلك الميثاق في العام 2005، وبعد مرور سنوات، بدا فيها أن عمل “شنغهاي” أقرب إلى التعثر، ذهبت الأفكار نحو تأسيس مجموعة جديدة أطلق عليها اسم “دول بريكس” 2009، والتي ضمت كلاً من روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وتضمن بيانها التأسيسي للمرة الأولى الإعلان عن ولادة عالم متعدد الأقطاب.

أمام تلك المحاولات راحت تتبلور على الضفة الغربية أفكاراً مضادة لاحتواء نهوض الصين وروسيا، والبدايات كانت قد بدأت مع إدارة أوباما، لكنها اتخذت طابعاً مختلفاً مع إدارة ترامب السابقة التي أطلقت حرباً تجارية ضد الصين، وعندما لم تستطع تلك الحرب وقف تقدم النمو الصيني راحت الأفكار تتجه نحو تعزيز النزعات الانفصالية في كل من تايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ، الأمر الذي كان يمثل في عمقه رداً على محاولة صينية تمتد لأعوام ثلاث ماضية، وهي تهدف إلى إنهاء “دولرة” الاقتصاد العالمي الذي تجني الولايات المتحدة ربع ناتجها القومي منه.

التصريح الذي أطلقه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في العشرين من شهر آذار الماضي و قال فيه: “نحن بحاجة إلى تقليل مخاطر العقوبات بتعزيز استقلالنا التكنولوجي، والانتقال إلى مدفوعات بعملاتنا الوطنية والعملات العالمية التي تعد بديلاً للدولار، والابتعاد عن أنظمة الدفع الدولية التي يسيطر عليها الغرب”، كان بمثابة ولادة جديدة لتكتل جديد هو الأكثر فاعلية من سابقيه، سيفضي تدريجياً إلى تقليص السطوة الأمريكية، والغربية عموماً، وصولاً إلى فرض نظام عالمي متعدد الأقطاب كأمر واقع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار